صحفي وأفتخر !
كلما عاد العيد العالمي لحرية التعبير والصحافة، يتوقف الصحفيون مشدوهين “مدهوشين”: هل يحتفلون؟ هل يقيّمون التجربة والنجاحات والانتصارات؟ هل يحصون الإيجابيات والسلبيات؟..أم ماذا يفعلون؟
مصيبة واقع الإعلام، أن “الصحّ-آفة”، وأن الصحافة “تاكل ولادها”، وأن حرية التعبير أريد لها من طرف البعض أن تكون حرية للتدمير و”التكوير” و”التبعير” و”التشوكير”، بينما يرفع أبناء المهنة يافطة “صحفي وأفتخر”!
مصيبة المصائب، أن “النجم” هو من يسبّ ويشتم ويسيئ للآخر، ويهين هذا أو ذاك، و”المحترف” هو من ينشر الأكاذيب والأباطيل والإشاعات والدعايات المغرضة، ويزيّف الحقائق بالبلبلة والفوضى!
الطامة الكبرى، أن العاقل المتمرّس أصبح في منظور المتهوّرين “جبانا”، والحكيم النزيه تحوّل إلى مظلّل، والمهني الشريف أضحى في قاموس الانتحاريين مجرّد “كومبارس”، لا علاقة له بمهنة المتاعب والمصائب!
مصيبة الإعلام، اليوم، هو أن الفايسبوك أصبح منافسا شرسا له، والصحفيين المحترفين ليسوا من تخرجوا من المدرسة العليا للصحافة، أو معهد علوم الإعلام والاتصال، وإنما هم أولئك “الرهوط” التي تجلس في “القهاوي” وتنقل كلّ شاردة وواردة عبر “العواجل” و”الفايك نيوز”!
وجع الصحفيين الحقيقيين، يأتي من تلك البطاقات التي وزعت قبل سنوات، يمينا وشمالا على أشباه الصحفيين، وعلى كلّ من هبّ ودب، وأصبح فجأة ودون سابق إنذار، مشبوهون ومعتوهون، حاملين لما سمي زورا وبهتانا ببطاقة الصحفي المحترف، علما أن الصحفي الحقيقي ليس بطاقة فقط!
مصيبتنا أن دخلاء تسللوا إلى قطاع مريض، في وقت اخترق فيه “بقارة” وأصحاب “الشكارة” الإعلام، وأصبحوا ينظرون ويتفلسفون في ما لا يعنيهم، ومنهم من اعتقد أن “السلطة الرابعة” سلاح فتاك لجني المحاصيل في الفصول الأربعة، وجمع الغنائم في السلم والحرب، والضغط والابتزاز والمناورة وشراء الذمم، طالما أنها حاضنة للمساواة والعدل بين الكفاءة والرداءة!
مصيبة الصحفيين الحقيقيين، أنهم سيحيون هذا العيد، مع “إخوانهم بالرضاعة”، في مهنة تحوّلت في كثير من زواياها إلى مهنة من لا مهنة له، ومصدرا للريع، ولذلك تكاثرت الجرائد، وتمّ تفريخ القنوات التلفزيونية، من طرف “المحرم والمجرم”، علما أن العدد الفعلي لوسائل الإعلام التي تستحق البقاء والثناء، وتتوفر على وسم الانتماء والولاء والوفاء للمهنة، لا تتعدّى الكمشة!
نقولها بالفم المليان: صحّ عيد كلّ الصحفيين “الصحفيين”، ولا عيد مبروك ولا هم يحزنون لأشباههم والمتشبهين بهم ومنتحلي الصفة وسارقي البطاقة، فالصحافة ليست “سخافة”، ولا هي وظيفة للنطيحة والمتردّية!
إن الصحافة، رسالة، وعهد، ووعد: مع الذات، ومع الجمهور..مع الوسيلة التي تعتبر “مصدر الخبزة”، مع المهنة، ومع الوطن.. كذلك، الصحفي، لا هو شيطان ولا هو ملاك.. هو بشر، إذا أخطأ، فلكلّ إنسان هفوة، ولكلّ جواد كبوة.. إذا حاول وأصاب فله أجران، وإذا حاول وأخطأ فله أجر!
لكن، يا جماعة الخير، الصحفي هو أيضا “مواطن” يحتاج إلى قوت، ورزق حلال، وحماية اجتماعية، واستقرار، وأمان وضمان، حتى يفلح في مهمة الإبداع وتطوير المهنة ببراءة الاختراع.. وكفى الصحفيين شرّ القتال و”الهبال”!