الرأي

صدقتْ بن غبريط وإنْ جارتْ!

ما طالبت به مؤخرا وزيرة التربية الوطنية بخصوص وضع قانون لمنع الإضرابات في قطاعها يجب أن لا يمرّ مرور الكرام، ذلك أن “صرخة” نورية بن غبريط رمعون تكاد تكون في محلها هذه المرّة.

صحيحٌ أن الاحتجاجات النقابيّة بكافة أشكالها مشروعة، ولا يمكن أبدا الاعتراض على استعمال الحقوق المكفولة دستوريّا وقانونيّا، لكن السؤال الجوهري المطروح: هل  يعني ذلك التجرّد من الأخلاق المهنيّة باسم الدفاع عن المصالح الفئوية؟ وهل تحصيل المكاسب الاجتماعية يبرّر المساس بالحقوق الإنسانية الأساسيّة للآخرين، بل تضييعها في دوامة الإضرابات المزمنة؟

وللمرّة الألف، نؤكد أننا مع كل مطالب المحتجين التي لا تخرج عن نطاق القوانين المعمول بها، ومن واجب السلطات العمومية التكفل الأمثل بظروف موظفيها وعموم مواطنيها، لكن هل يمنح ذلك ضوءا أخضر لأصحاب “المظالم” والمطالب في ممارسة حقوقهم بطريقة تعسفيّة في حقّ المجتمع؟!

هل يعقل أن تُضرب أسرة التدريس في الجزائر لأسابيع بل ولشهور كل سنة، من أجل نفس الانشغالات تقريبا، بينما يبقى أبناؤنا تائهين في الشوارع، ومن سعف الحظّ وليّه بالمال لجأ لاستدراك البرامج المقرّرة عن طريق دروس الدعم الخاصّة؟

هل من المقبول أن يعمد “طلاب” مشكوك في انتسابهم للجامعة، بصدّ الأبواب بالسلاسل في وجه مرتاديها، وأحيانًا يظهر أنهم يبحثون في الواقع عن مزايا بيداغوجية واجتماعية غير مستحقّة تحت الطاولة؟

والأسوأ أن يضمر الحس الإنساني النبيل لدى الأطباء، فينقطعون بصفة دوريّة عن المصالح الاستشفائية، في حين يواجه مرضاهم الآلام فوق الأسِرّة بالصبر والدعاء!  

لا ينكر فضل هؤلاء جميعا، في أسلاك الصحة والتعليم والجامعة، إلا جاحد، ولا يتخلف عن نصرة قضاياهم إلّا مكابر، ناهيك عن أن يقف في طريقهم لنيل المطالب المنشودة، ليس ذلك ما نقصده أبدا، حتى لا ينزعج منّا أحد، بل أقصى ما نبتغيه هو أن يهتدي المعنيّون إلى أخفّ الاحتجاجات ضررًا على الواقعين تحت مسؤوليتهم.

لا شكّ أنّ السلطات تراهن دومًا في ربح المعارك النقابية على عامل الزمن، وإحراج المحتجِّين أمام الرأي العام، وهذا المنطق مرفوض، حيث يُفترض أن تسارع إلى تسوية المطالب واستيعابها، بيد أن موقف الإدارة لا يجيز على الإطلاق أن نجعل من فئات اجتماعية أخرى رهائن في قبضة المُضربين.

حان الوقت، وصار أكثر من ضروري مع تعقّد الأزمة المالية في البلاد، حيث تتفاقم المشاكل مستقبلاً، أن يبتكر، على وجه الخصوص، المدرّسون والأطباء والطلاب وأساتذتهم، أساليب نقابية أكثر نضاليّة دون إضرار بأطياف المجتمع المختلفة، وأن ينتهجوا طرائق ترتكز على سياسة النفس الطويل بدل “ليّ الذراع”، التي تؤلم المواطنين البسطاء قبل غيرهم، وإن مكّنت من افتكاك مطالب آنيّة، فإنها تخدش سمعة أهلها وتُغير صدور المتضرّرين.

لسْنا هُنا لنعطي دروسًا لأحد، غير أنّه من المهم التذكير في هذه السانحة أن اليابانيين مثلاً عندما يُضربون لا ينقطعون عن عملهم، بل يضعون  ضمّادة على اليد، ويكتبون عليها “أنا محتج على كذا..”، بينما تمنع الولايات المتحدة الأمريكية الإضراب على موظفي الدولة، فلماذا لا نتشبّه بهؤلاء، طالما نحن نتطلع إلى أحوالهم، ولا نفتأ نقيسُ إنجازات حكّامنا بحكامهم؟

مقالات ذات صلة