الجزائر
تضامن واسع مع ضحايا الاعتداء الوحشي ببرج باجي مختار

صدمة في قطاع التربية

نادية سليماني
  • 20035
  • 28
أرشيف

مطالب بإلغاء توظيف النساء خارج إقليم ولايتهنّ
النقابات: لن نسكت عن الجريمة لأنها تتعلق بقيمة مربي المجتمع

حادثة صادمة وغير إنسانية ولا تمت للأخلاق بصلة، عاشتها مربيات أجيال بولاية برج باجي مختار، حيث استباحت عصابة إجرامية كرامتهن، واعتدت عليهن بوحشية وأذاقتهن “المُر” لساعتين من الزمن وبحضور طفلة رضيعة. وهن الآن يرقدن بالمستشفى في وضعية نفسية وجسدية كارثية. الحادثة زلزلت مواقع التواصل الاجتماعي التي توشحت بالأسود في حداد وطني والجميع يطالب بالقصاص من الفاعلين، وإيجاد حلول لظاهرة الاعتداء على نساء معزولات، قادتهنّ لقمة العيش إلى منطقة معزولة بأقصى الجنوب.
عاشت 9 أستاذات يعملن بالمدرسة الجديدة رقم 10 بولاية برج باجي مختار، رعبا حقيقيا ليلة الأربعاء، بعد ما هجم عليهن 4 مجهولين ملثمين بمقر إقامتهن داخل المؤسسة التعليمية. وأقدموا على الاعتداء عليهن وضربهن تحت تهديد السلاح الأبيض، وتجريدهن من أموال وهواتف نقالة وحواسيب. وعملية الاعتداء وحسب ما تم ذكره، دامت ساعتين كاملتين وتحت مرآى طفلة رضيعة في عمر العامين.
والحادثة “المتكررة” التي تعرضت لها الأستاذات، هزّت منصات التواصل الاجتماعي. فحتى ومع تكرر مثل هذه الحوادث المعزولة مؤخرا في بعض الولايات، وخاصة الجنوبية منها، ولكنها تعتبر دخيلة على المجتمع الجزائري “المحافظ”، والذي يُكن احتراما وتقديرا للمعلمين، فما بالك بالهجوم على أستاذات وداخل حرم تعليمي، فهي حادثة غير مسبوقة ببلادنا؟؟

رُوّاد التّواصل الاجتماعي ينعتون المُعتدين بالوحوش البشرية..

حادثت الاعتداء جعلت أحد المعلقين المستنكرين، يكتب على “فايسبوك”، “الإعتداء على 09 أستاذات من طرف 4 (ذكور) أو حيوانات بشرية، في مسكن وظيفي في برج باجي مختار.. هذو الأستاذات المُحاربات الّي تنقلوا من الشمال باش يقرو أولادنا فالجنوب، ولّي بعض أشباه الذكور قالك يستاهلوا واش داهم لتم، لوكان ماشي هذو الأساتذة لي راهم يروحو لتم ولادنا فالجنوب مايقراوش.. لأنّو مايكفيش عدد الأساتذة بالجنوب وهذا عادي جدا…”، فيما تأسّف آخر لوضعية المعلمين ببلادنا، وكتب “أساتذة من دون مأوى آمن.. من دون أمن وظيفي.. من دون أدنى الحقوق في الحياة الكريمة.. مع تعتيم إعلامي وتخاذل الشركاء الاجتماعييّن.. ان الاعتداء على أي أستاذ هو اعتداء على كرامة جميع الأساتذة”…
وذُهل كثيرون من هول الحادثة، فقالت إحدى المعلقات، بأن لسانها عجز عن التعبير وتبكّمت.. بينما استنكر كثيرون، عملية توظيف نساء بمناطق بعيدة عن مقر إقامتهن، وهو ما يُعرّضهن لاعتداءات متكررة وتحرّش متواصل، سواء في وسائل النقل أو داخل بيوتهن المُستأجرة، ليتطور الأمر لغاية الهجوم عليهن داخل المؤسسات التعليمية.

معلمات من الشمال يقطن بـ”محتشدات” و”ملاجئ” بالجنوب..!!

وبدورهم تضامن المنتسبون لقطاع التربية مع المعلمات، فكتب المفتش السابق بوزارة التربية الوطنية، أوقلال زرداني، عبر صفحته بفايسبوك، منشورا تنديديا طويلا، ومما ورد فيه “..مجزرة ارتكبتها عصابة مُدججة بالأسلحة البيضاء ضد أستاذات آمنات في “ملجأ ” وظيفي ..في الحقيقة هذه إحدى النتائج الطبيعية لسياسة التوظيف المنتهجة من طرف بن غبريط، عبر مهندس الفكرة أمينها العام السابق والوزير اللاحق بلعابد. سياسة القوائم المفتوحة الوطنية (الأرضية الوطنية)، أرغمت حرائر الجزائر إلى مغادرة بيت الزوجية أو بيت الوالدين إلى مصير مجهول… كل إقامة وفي كل ولاية هي عبارة عن “خم”.
وأضاف “شاليهات سكنتها الأشباح، سكنات وظيفة هشة، في كل داخلية وفي كل شاليه وفي كل سكن وظيفي، يتم حشر عشرات الأستاذات النازحات من كل ربوع الوطن”، وتأسف قائلا “لقد استغلت بن غبريط ومن سار في ركبها، حاجة العائلة الجزائرية إلى وظيفة بعد طول انتظار، لتجعل من بناتها لاجئات بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. فالأستاذات المقيمات هن من يتولين “التسياق”، إصلاح الزجاج المهشم، وحتى طلاء الجدران أحيانا، بالإضافة إلى تحضير لقمة العيش، والسهر لتحضير مذكرات “الجيل 2″.. وفوق هذا كله يتعرضن إلى التحرش بكل أشكاله وأنواعه..”. وتداول كثيرون، هاشتاغ يحمل صورة امرأة محجبة وهي تصرخ، ومكتوب على الصورة “نطالب بالقصاص للأستاذات”.

بيانات تنديديّة من نقابات التربية وفعاليات المجتمع المدني
ومن جانبها، أصدرت عديد التنظيمات النقابية وفعاليات المجتمع المدني بولاية برج باجي مختار وعبر مختلف ولايات الوطن، بيانات تنديد واستنكار للحادثة البشعة، داعين السلطات إلى ضمان حماية المُربين التربويين.
وفي هذا الصدد، اعتبر الأمين العام لمجلس أساتذة الثانويات الجزائرية “كلا”، روينة زبير في تصريح لـ”الشروق”، بأن الحادثة تعتبر اعتداء خطيرا على أستاذات، وواصفا إياها بـ”السابقة الخطيرة”، وهذا التعدّي وبالخصوص في حال تعرض لشرف المعلمات “فلن نقبله ونطالب بتحقيق عاجل في الحادثة”.
كما دعا المتحدث، لمتابعة القضية من طرف وزارة التربية، ومعاقبة المتسببين واتخاذ الاجراءات اللازمة لعدم تكرار مثل هذه الحوادث، وختم قائلا “لن نسكت على هذه القضية، لأنها تتعلق بقيمة المعلم والأستاذ في المجتمع”.
وبدوره ندد نائب رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين “اينباف”، مبارك بلعيدي عبر “الشروق” بالحادثة، مؤكدا تحضيرهم لبيان وطني استنكاري. كما أن المنتسبين لـ”اينباف” على مستوى ولاية أدرار، نظموا وقفة احتجاجية أمام مقر الولاية.
ومن تفاصيل الواقعة، حسب ما سرده مُحدثنا، فالضحايا هن 9 أستاذات، بينهن 3 متزوجات، واحداهن لها ابن رضيع، وقد خطفته العصابة أثناء الإعتداء، مهددة بقتله في حال لم تسلمهم والدته المال والمجوهرات. كما أكد تعرض المعنيات لضرب مبرح وللسب والشتم.
ووصفت “إينباف” الإعتداء بـ”الهمجي”، مطالبة بقانون لحماية المعلمين، وخاصة بالمناطق المعزولة، على غرار قانون حماية الأطباء الذي أقره رئيس الجمهورية مؤخرا. كما دعت، إلى تجنب تعيين الأستاذات خارج ولاياتهن الأصلية.

فائض الأساتذة في الشّمال يجبرهم على التنقل إلى الولايات الجنوبية
بينما أكد الإطار السابق في وزارة التربية الوطنية، والذي اشتغل لـ11 سنة كاملة كمفتش في الولايات الجنوبية وأقصى الجنوب، محمد ساهل، بأنه سبق له أن لفت الأنظار للمعاناة التي يعيشها الأساتذة المعينون في ولايات جنوبية، خاصة النساء منهم. كما أنه سعى لإصلاح الأمور، عن طريق التنسيق مع السلطات المحلية.
وقال محدثنا، أن ظاهرة تنقل أساتذة من الشمال نحو الجنوب “قديمة، وتتمّ بإرادة من الأستاذ الباحث عن فرصة عمل وتوظيف، وتأمين لقمة عيشه، خاصة في ظل وجود فائض من المعلمين بالشمال”.
وحسب، ساهل، الأساتذة المُتنقلون إلى الجنوب، وحسب ما عايشه هنالك “فإنهم يتحملون كل المشاق والمشاكل، من قلة المواصلات، وانعدام السكن، وتكاليف غلاء المعيشة بالجنوب. كما أن معظمهم نساء عازبات.. حيث التقيت بولاية أميناس بمعلمات من ولاية تيزي وزو وآفلو..”.
وأكد، بأن مديريات التربية بولايات الجنوب، تقف عاجزة عن حل مشاكل المعلمين القادمين من الشمال، خاصة مشكل السكن، رغم ترحيب سكان الجنوب بالمعلمين وبحفاوة كبيرة “ومع ذلك يوجد بعض الشواذ والمجرمين، الباحثين عن الصيد السهل، فلا يجدون ضحايا أحسن من المعلمات القادمات من الشمال.. وأكيد من اعتدى عليهن يعرفهن أحسن معرفة”. كما اعتبر، “أنه سبق أن اقترح على مديريات التربية بالجنوب، تأهيل الأقسام المهجورة، وجعلها مساكن للمعلمين مع توفير الحماية لهم، أو تشييد لهم عمارات سكنية مجهزة. فمثلا بلدية عين أميناس تعتبر منطقة غنية، وبإمكانها توفير سكنات لائقة لموظفي الشمال، بدل حشرهم في محتشدات غير آمنة، كما أن الدولة تصرف أموالا طائلة على التعليم في الجنوب، فأين تذهب هذه الأموال؟”.
ليختم محدثنا، بتوجيه تحية خاصة، للنساء، اللواتي يتحدين المجتمع والظروف، ويغامرن ويتغربن من أجل لقمة العيش وإعالة انفسهن وأسرهن.
وأدان الأمين الوطني المكلف بالتنظيم بالنقابة الوطنية لعمال التربية “اسانتيو”، يحياوي قويدر، ما وصفه بـ” الاعتداء السافر”، مطالبا بحماية الأساتذة العاملين في المناطق المعزولة، وتوفير لهم سكنات جماعية محمية.

مقالات ذات صلة