الرأي

صديق بوتفليقة تحت الحصار!

الشيخ لخضر الزاوي، علاّمة وفقيه جزائري من أعلام منطقة التيتري، كما أنه مجاهدٌ باسل نافح عن الأرض والعرض في مواجهة الاحتلال الفرنسي، حتّى إنّ قيادة الولاية التاريخية الرابعة عهدت إليه بتولّي القضاء الشرعي والحكم بين المتخاصمين بدلاً عن الإدارة الاستعماريّة.
بعد الاستقلال، واصل الزاوي خدمة الدين والوطن عبر قطاع الشؤون الدينية، فعرفه الناس، طيلة عقود، إمامًا ومفتيًا ومعلّما للقرآن ومدرّسًا في حلقات العلم الشرعي على المذهب المالكي، شارحًا لأهمّ مُتونه ومدوناته الفقهيّة والعقديّة، حيث صار قطبًا ومرجعًا علميّا لكل سائل، ما جعله يحظى بمكانة مرموقة بين شيوخ المدينة وضواحيها، الأمر الذي فتح أمام الشيخ الزّاوي بابًا واسعًا من العلاقات العامّة، فكان من أصدقائه الأوفياء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي تعرّف عليه قبل 40 عامًا، وظلّت وشائج المودة تربط بين الرجلين، إلى درجة أنه استشاره عام 1999 في قراره بالترشّح للانتخابات الرئاسية، بل ترجّاه ملحًّا أن يصلي له صلاة الاستخارة للاستئناس برأيه الحكيم، فجاءه الردّ من العالم الربّاني: أنّ الله سيُجري على يديك الأمن والأمان في ربوع الجزائر.
أكثر من ذلك، يوم باشرت السلطات العليا مسعى المصالحة الوطنية، لم تجد في منطقة المديّة الساخنة خلال العشرية الحمراء غير الشيخ لخضر الزاوي، فطرق بابه المسؤولون المدنيّون والأمنيّون طلبًا للوساطة مع المسلحين، فما كان من المجاهد الزاوي إلاّ تلبية نداء الوطن ثانية، ليصعد قمم الجبال، ويفاوض عتاة السلاح لإقناعهم بالعدول عن طريق العنف، معرّضا بذلك حياته للخطر المحدق حتى نجح في تلك المهمة النبيلة.
لكن المؤسف أن هذه القامة الكبيرة التي قدمت للجزائر كل غال ونفيس في عهديْ الاحتلال والاستقلال، تعيش اليوم على هامش الحياة الدعويّة، إذ أنّ معلّم الأجيال ممنوع من مزاولة الدروس في كافة المساجد، بعدما أحيل عُنوة على التقاعد قبل سنوات عديدة!
ولأنّ الشيخ الزاوي صاحب رسالة سامية، يأبى التوقف عن العطاء لأمته وأبناء وطنه، فقد اضطرّ لاستئجار طابق من حجرتين صغيرتين في بناية خاصّة بوسط مدينة المديّة، لاستكمال مشروعه التعليمي في تدريس العلوم الشرعيّة، وهو في التسعين من العمر، بل إنه يدفع ثمن الكراء من ماله الخاصّ!
فهل يُعقل أن تُصدّ أبواب المساجد في وجه عالم من علماء الجزائر، ذنْبه أنه رفض الركون مع القاعدين، ولا يزال قلبه ينبض حبّا للعلم وأهله؟ وبأيّ جريرة يمنع البعض مجاهدًا من إلقاء دروس الوعظ والإرشاد، ونشر العلم الشرعي؟
من الغريب أن يصدّع القائمون على شؤون العباد رؤوسنا بالحديث عن المرجعية الدينية والوطنية في كل المحافل، بينما يُقصى رموزها وحرّاسها وأعلامها الذين أفنوا حياتهم في تكريسها والذود عن حياضها وترسيخ معالمها عبر الأجيال، في زمن تكالب عليها المتطرفون والوافدون! لا يوجد سببٌ واحد ولو كان جائرًا، لحرمان رجل في مقام “سيدي الزاوي” من ريادة بيوت الرحمان، مُعلمًا ومُرشدًا ومُربيّا، والعقاب النفسي الذي يقاومه الآن هو نكران لجميل الأخيار وإهانة لكل مجاهد غيور على بلاده.
لكن يبقي الأمل الكبير في تدخلّ رئيس الجمهوريّة، الذي يستحيل أن يرضى بالتعسّف في حق صديقه الحميم الشيخ الزاوي، ليعيد له الاعتبار المعنوي، بعدما أنصفه سابقا في تسوية وضعه الإداري والمالي كمجاهد.

مقالات ذات صلة