-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نزاع استراتيجي لفرض الهيمنة والنفوذ

صراع الكرسي بين الكنة والحماة

ليلى حفيظ
  • 1031
  • 0
صراع الكرسي بين الكنة والحماة
أرشيف

من المُسلّم به، أننا شعب مريض بمتلازمة عبادة الكرسي والخلود فيه، التي يمتد استفحالها تنازليا من قمة الهرم الاجتماعي إلى قاعدته، ليطبع حتى النزاع الأزلي الأبدي الخالد بين الكنة والحماة، اللتين تتقاتلان حتى حول من تجلس في مقعد السيارة الأمامي بجانب “الابن الزوج”، في مشهد قد يبدو تافها وسخيفا بالنسبة إلى ملاحظ من خارج دائرة الصراع، ولكنها مسألة كينونة بالنسبة إلى الاثنتين. فمن الأحق، يا ترى بالجلوس في المقعد الأمامي لسيارة الرجل: زوجته أم والدته؟

أكون أو لا أكون.. تلك هي المشكلة

لمن لم يختبر بعد طبيعة هذا الصراع، نقول إنه يتعلق بتسابق وتنازع الكثير من الحموات والكنات لأجل الجلوس في المقعد الأمامي لسيارة الابن المتعوس، الذي يُجبره حظه العاثر على التنقل بسيارته رفقة والدته وزوجته. ويُخطئ من يعتقد أن الأمر يتعلق فقط برغبة في الاستحواذ على مكان استراتيجي في مقدمة السيارة لشم الهواء العليل والاستمتاع بالمنظر الجميل.. لا، وألف لا. فالسرُّ أعمق من ذلك بكثير، فهو يتعلق برغبة في تأكيد النفوذ وبسط الهيمنة، مثلما تؤكده جهيدة، 27 سنة، شاكية من حماتها، قائلة: “في أول خرجة لي مع زوجي، بعد زفافنا، صُدمت بشدة، حينما وجدت حماتي تسبقني مهرولة إلى السيارة، لتركب إلى جوار ابنها، الذي لم يعترض على ذلك إطلاقا، فوجدت نفسي أجلس في الخلف، وأنا أستشيط غضبا، لأن الطريقة التي جرى بها الموقف أشعرتني بالذل والإهانة، وفهمت أن حماتي تريد أن تفهمني منذ البداية أنها الأصل في حياة زوجي، ولست أنا سوى دخيلة على حياتهم، ولا يحق لي تغيير ما جرى به العرف في تقاليدهم. وهو الوضع الذي سرت عليه لفترة قصيرة، قبل أن أنجح في بسط نفوذي وتثبيت مكانتي وكياني في حياة زوجي، بإنجاب طفل له. فحينها، فاجأتها بانقلاب أزحتها عبره عن ذلك الكرسي، الذي صار من حقي.”

دارهم ما دمت في دراهم.. وأرضهم ما دمت في أرضهم

وعلى عكس ما سبق، ترى فريال، 31 سنة، بأنه من الحكمة والذكاء أن تبادر الكنة من تلقاء نفسها إلى دعوة حماتها للجلوس إلى جانب ابنها في المقعد الأمامي للسيارة، لأن ذلك يدخل في باب الاحترام وتوقير الكبير وإعانة الزوج على برّ والدته.

وهذا، ما توافقها عليه كوثر، 25 سنة، قائلة: “من الغباء، أن تدخل الكنة في صراع مع حماتها وأهل بيتها، لأجل كرسي في سيارة. ومن الدهاء، أن تعمل على استمالة قلبها ومُداراتها لسدّ باب الشقاق والخلاف معها، وعدم إشعارها بأنها فقدت ابنها وكل امتيازاتها كوالدة له بمجرد زواجه، لأنها حينها ستعلن عليها حربا ضروسا، هي في غنى عن خوضها، لأجل مقعد في مركبة.”

تنافس على القيادة والريادة

وفي المقابل، ترفض الكثير من الحموات التنازل عن جلالة الكرسي الأمامي، فخالتي زهرة مثلا، تؤكد أن ذلك يدخل في إطار الحرص على فرض هيمنتها على كنّاتها. ولو تنازلت عنه، كما تقول: “لسحبن مني باقي امتيازاتي كسيدة أولى وقائدة للعائلة. وهذا ما لا أقبله إطلاقا.”

في حين إن خالتي حورية تتعامل مع الموضوع بليونة أكبر، وتعترف بأنها تفضل عدم التضييق على كناتها، وتؤكد قائلة: “يكفيني، أنني جلست لسنوات على ذلك الكرسي، رفقة المرحوم زوجي. ومن الأنانية، أن أحرم زوجة ابني من حقها في ذلك، و”اللي فاتو وقتو ما يطمع في وقت الناس”.”

بين المطرقة والسندان

وطبعا، أكبر حائر في صراع الكرسي الدائر بين الكنة والحماة، هو الرجل المسكين، زوج الأولى وابن الثانية، إذ تجده عالقا ما بين المطرقة والسندان. وتتباين طرق التعامل مع هذا الصراع، من رجل إلى آخر. ففي الوقت الذي يؤكد فيه يوسف أنه لا توجد امرأة في العالم تستحق أن تأخذ مكان أمه، سواء في قلبه أم إلى جانبه في المقعد الأمامي للسيارة، اختار بلال الوقوف في دور المتفرج، فحينما يضطر إلى الخروج مع زوجته وأمه، اللتين تدخلان حينها في سباق مراطوني للوصول إلى السيارة، يتعمد كما يقول: “النزول متأخرا، ليجد الفائزة قد حظيت بشرف الركوب في المقعد الأمامي، دون أدنى تدخل منه”.

الواجب تعزيز الوالدة

أما من الناحية الشرعية، فإن الشيخ شمس الدين الجزائري يرى بأن هذه الإشكالية تُحل بحسب ما جرى عليه العرف في البلد. فنحن جرى العرف عندنا أن من يجلس أمام السائق أكرم اعتبارا ممن يجلس خلفه. فنعتبر من الإهانة بمكان أن تصعد الوالدة في الكراسي الخلفية. لذلك، على الابن مراعاة ذلك. وهناك مجتمعات جرى العرف عندهم أن يركب صاحب الشأن خلف السائق، ويركب غيره بجانبه، فالاعتبار عندهم هكذا، فيراعي الرجل عرف بلده. وحيثما كان فتعزيز الوالدة واجب عليه أن يفعله، كي لا يكون عاقا. أما الزوجة، فيكفيها أنها ستقضي ليلها كله مع زوجها، فلا يهمها أين ركبت.”

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!