-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“صرة المريض تطيل المرض”

عمار يزلي
  • 2957
  • 0
“صرة المريض تطيل المرض”

بدأت منذ إعلان الرئيس الترشح إلى العهدة “الخالدة”، حملة تبييض وجه العهدات السابقة والثناء والصلاة والسلام على من جلب الأمن والأمان، والرفاهية والبانان، والحرية والكاران، وبدأت وسائل النقل الوطنية الحكومية في نقل أخبار التاريخ البعيد والتاريخ القريب وتبيين وتوضيح ما جلبه لنا اختيارنا الكريم لشخص الرئيس الهمام، الذي صال وجال، وخطب وحطب، وأضحك وابكي وأمات من أحيى، وصفع الذكر والأنثى: أقعدي، أنت هي الغولة! أرفع راسك يابا..(لكي نصفعك جيدا!)!

كانت العهدة الأولى، وكان الحماس لإخراج الناس من ظلمات العنف والخوف! أحب الناس عزيز الجزائر، وانتخبوه رئيسا بالإجماع الشعبي رغم ما شابهه من محاولة التشكيك في صدقية النجاح الباهر، عندما انسحبت الأحصنة الستة من مضمار السباق بعد أن تناهى إلى علمهم أن مؤسسة الجيش قد حسمت أمرها واختارت الرئيس في الثكنات! انسحب المرشحون الستة وفاز بوتفليقة بقوة أصوات كبيرة! وكان سيفوز حتى ولو لم ينسحب المنسحبون! العهدة الثانية، كانت بنفس الحماس والتعهد للرئيس بأن الشعب يقف وراء فكرة المصالحة ولم الشمل وتحقيق الوئام وحتى العفو الشامل، والتنمية وإعادة مكانة الجزائر والجزائري إلى موضعها السابق، كما كان قد بدأ مع العهدة السابقة. وحدث قليل من هذا، بعد أن رفع الحصار الأربعيني على الشعب الجزائر الممنوع من السفر خارج البلاد بتهمة الوباء السياسي الإرهابي، وعملت الدولة على إصلاح المنظومة الأمنية والدبلوماسية وأيضا المنظومة الاقتصادية خاصة مع ارتفاع أسعار النفط التي سمحت للجزائر في عهد بوتفليقة  أن تتخلص من ديونها السابقة وتراكم جزء لا يستهان به من أجل استثماره في المشاريع الإنمائية الكبرى وإحداث الوثبة التنموية الاقتصادية والاجتماعية الكبرى! حدث كل هذا! ودفعت الخزينة خلال 15 سنة نحو 750 مليار دولار، وهو ما يكاد يساوي ما أنفقته الجزائر خلال 50 سنة من الاستقلال! حيث قدرت “النفقات الاستثمارية” خلال نصف قرن نحو  ألف مليار دولار! لكن…

هل فعلا استثمرنا كل هذه المبالغ الخيالية خلال 15 سنة فقط؟ استثمرناها أم “أنفقناها”؟ لهذا أنا أتحدث عن “النفقات الاستثمارية” وليس عن الاستثمار! فكل ما يمكن أن يكون قد ذهب للاستثمرا فعلا، لا يكاد يتجاوز مائة مليار دولار! والبقية (650 مليار، إنما أنفقت كنفقات! يعلم الله وحده كيف وأين ولمن ذهبت! وحتى ون كنت نعرف بعضا منها أين ذهب وعند من؟ من خلال بعض ملفات الفساد والقليلة جدا المعلنة قياسا بغير المعروف وغير المعلن، فإن المبالغ الضخمة التي أنفقت، لا تزال مجهولة الوجهة والأوجه! لكن يمكن فقط أن نستدل على هذه الكتلة المالية الفاسدة من خلال ملاحظة عدد المليارديرات الذين كثر عددهم خلال العهدات الثلاثة الأخيرة! من أين لهم بهذه الأموال في وجود استثمار ضعيف ومؤسسات اقتصادية لا تشكل صادراتها أكثر من 4 في المائة؟ من أين لهم بهذه الأموال! الجواب: المال هو مال الخزانة ومال النفط كثر الله خيره وقلل من شروره الكثيرة! فهو مال الشعب استفادت منه مجموعة محظوظة جدا بفعل روابط الفساد وقلة الأخلاق والحياء (إلا من رحم ربك من المنتجين الفعليين والاقتصاديين المحترمين الذي يعملون في نطاق الانتاج وامتصاص البطالة وتنمية البلد، وليس أولائك المستوردين باسم شركات التصدير والاستيراد، التي لا تعدو أن تكون علب “استوراد”، يسميها البعض شركات “استيراد ـ استيراد”.

نحن أمام مثل إنجليزي قديم يقول “صرة المريض، تطيل المرض”، أي أنه مادام الطبيب يرى أن المريض غني، فلن يشفى أبدا هذا المريض. فتفشي منظومة القيم الفاسدة، إنما كان من خلال المال الفاسد بسبب سياسة فاسدة  تمثلت في سياسة شراء الذمم ورشوة الكبار من أجل التحكم في مقاليد التسيير كلها، بهدف مركزة السلطة في يد واحدة هي يد الرئاسة التي أرادها الرئيس الحالي والمستقبلي، رئاسة كاملة لا رئاسة ثلاثة أرباع! لقد انتقلنا، أو بالأحرى أنقلنا مجبرين من مزايا النظام البرلماني الرئاسي، الذي يعطي الحق للشعب في اختيار رئيس حكومته المنبثقة دستوريا عن أغلبية برلمانية، إلى نظام رئاسي، لا يحق للشعب أن ينجب هيئة تنفيذية من غالبية أختارها هو! فالشعب قد يذهب للانتخابات وينتخب بالأغلبية على تيار معين، لكن رئيس الحكومة، قد يكون من الأقلية التي فشلت في الانتخابات، وبذلك نكون قد استعملنا الشعب كديكور سياسي من أجل تنصيب أقلية تحكم في الأغلبية باسم الشعب وأكثرية شعبية تمثل الأقلية سياسيا! وهكذا نكون قد عكسنا المعادلة التي تقول بالأغلبية الساحقة، لتصبح هناك “أقلية ساحقة وأغلبية مسحوقة” وتنمحي بالتالي فكرة وروح كلمة الديمقراطية التي معناها الإغريقي “حكم الشعب”.

هذه هي المعضلة التي انتهينا إليها! ونخشى كل ما نخشاه أن تتمادى السلطة غير الشعبية في حكم الشعب باسم الأقلية على أنها أغلبية، لهذا، سوف تعمد المنظومة الحاكمة على الهروب إلى الأمام وربح الوقت واللعب على تبييض السنوات الأخيرة من كل العيوب وإبراز وفقط المزايا، وهي كثيرة، من أجل صقل فكر وعقل الجزائر وإغماض عينه على عجز شامل في كل المؤسسات لتي تسير بالأرقام بعيدة عن الواقع الفعلي للحال.

هذا الكلام، قد لا يعجب أحدا ممن في يدهم القرار، لكن الاستقرار على المحك، والانفجار قادم آجلا أم عاجلا، لأن ما تقوم به السلطة الحالية في ظل البحبوحة المالية إنما هو مورفين ومنوم لإسكات ألم المرض مؤقتا، وإخماد نار الاضطرابات وإسكات المطالب الكثيرة جدا والتي عجزت السلطة على تلبيتها لكثرتها ولكثرة الأولويات. فكل شيء عندنا يمثل أولوية! وهكذا، إنما نقوم بتأجيل العملية الجراحية التي قد تفضي إلى الشلل أو الموت، من خلال مهدئات و”مخدرات”، مرحلية، يكون خلال المرض قد تعمق وانتشر ولن يجدي بعده نفعا لا دواء عشاب ولا طبيب دواب ولا حكيما يرجو التواب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!