الرأي

صفقة ثلاثية تدفن التحقيق قبل استظهار جثة خاشقجي

حبيب راشدين
  • 4081
  • 7

الذين كانوا ينتظرون من خطاب أردوغان أمام البرلمان التركي أمس مددا من الذخيرة لمواصلة الاستثمار في جريمة مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي لمواصلة معارك جانبية مع عائلة آل سعود ووليِّ العهد فيها، أو في المعارك الدائرة بين الرئيس الأمريكي ترامب وخصومه في واشنطن، يكون قد خاب ظنهم بما جاء في الخطاب، الذي باغت الجميع بالثناء على اعتراف السعودية بمقتل خاشقجي داخل القنصلية.
الخطاب أغلق باب المضاربة على تحقيق جنائي تركي كان المرجو منه نسف التوصيف السعودي للجريمة، حيث استند أردوغان بالكامل على التحقيق السعودي أكثر مما كان ينسبه الإعلام إلى جهة التحقيق التركية التي لا تمتلك ـ على ما يبدو حتى الآن ـ قرائن جنائية دامغة من مسرح الجريمة، كما لا تعلم أين هي الجثة حتى بعد اعتراف السعودية بتسليمها لمتعهد محلي.
الرئيس التركي أغلق أيضا باب المضاربة على أيِّ تصعيدٍ مستقبلي بين تركيا والسعودية، وقد أكد “ثقته في خادم الحرمين الشريفين” كما فعل ترامب من قبل، مع تحاشيه ذكر وليِّ العهد، وكان لافتا أن يشير الرئيس التركي إلى مكالمته مع ترامب يوم الـ21 من الشهر الجاري، بما يوحي بوجود صفقةٍ ثلاثية لاحتواء الجريمة وتبعاتها السياسية، والانتقال السريع بها من الفضاء السياسي والإعلامي الملغم إلى الفضاء القضائي الجنائي الصرف، المحكوم منذ الآن بتوافق سعودي تركي مسبق حول السقف الذي سوف يتوقف عنده الادِّعاء من جهة الطرف الآمر بالجريمة، وهو السقف الذي حدده الموقف السعودي عند شخصيات رفيعة، لكنها ثانوية، بجهاز المخابرات السعودية.
أعلى سقفٍ جاء به خطاب أردوغان كان بـ”التمني” على السعودية دراسة طلبٍ تركي بإجراء مقاضاة الجناة في إسطنبول حتى مع اعترافه بأن الجريمة تمَّت داخل فضاء تعدُّه اتفاقيات جينيف جزءاً من التراب السعودي، طلبٌ يصعب على السعودية الاستجابة له خوفا من إعادة تسييس الملف، والخروج به عن مضامين الصفقة، لأن الصفقة تمَّت بالفعل بضغط أمريكي شجع السعودية على الخروج السريع من دائرة الإنكار، وأوجب على الاتراك تقييد التحقيق الأمني والجنائي بما يمنع توجيه الاتهام إلى مستوى عال من المسؤولية.
واضحٌ أن الطرف التركي يكون قد تعرَّض بدوره لضغوط تمنعه من مواصلة تحقيق جنائي مفتوح، بعد أن سلم للسعوديين الدور الرئيس في مواصلة التحقيق الجنائي، وتوجيهه حيث يشاء من جهة سقف الاتهام، ليُسوَّق لاحقا كـ”مبادرة فردية” من جهةٍ استخباراتية أو أمنية ثانوية تكون قد “اجتهدت دون علم جهاتٍ مسؤولة رفيعة” وقد تسمح بما هو أكثر، بتسويق الجريمة كـ”فعل كيدي” من خصوم من الداخل أو من الخارج “أرادوا توريط وليِّ العهد” وقد ألمح أردوغان إلى وجوب ملاحقة الجميع بما في ذلك “طرف ثالث دولي” لم يفصح عنه.
الصفقة التي يكون قد عرضها وزيرُ الخارجية الأمريكية على الطرفين، وانتهت بالاعتراف السعودي تكون قد أرضت السعودية بوضع جدار حماية لوليِّ العهد، وتحييد العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة كما مع تركيا من تبعات التحقيق، كما تكون قد أرضت الطرف التركي، الذي لم تكن له عوائد تُذكر من أي تصعيد كان سيجهز على ما بقي من العلاقات مع بلدٍ بحجم السعودية ومكانتها في الإقليم وفي العالم الإسلامي، كما أن الأطراف الثلاثة ليس لها مصلحة في استمرار الحملة الإعلامية التي استغلها الخصوم في الشأن الداخلي لكل بلد، وكانت ستشوِّش على مسارات سياسية ودبلوماسية ساخنة في المنطقة.

مقالات ذات صلة