الرأي

صلاة استخارة للقاء نتنياهو!

حسين لقرع
  • 1227
  • 6
ح.م

تشهد المنطقة العربية هذه الأيام مفارقة غريبة؛ فبدل أن يدفعها مضمون “صفقة القرن” الأمريكية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، إلى مراجعة مواقفها المتخاذلة والاصطفاف وراء الفلسطينيين في رفضهم الحازم لهذه الصفقة المشؤومة.. بدل ذلك، فضّلت بعضُ الدول مساندتها بدعوى أنها “جدّية” و”إيجابية” للفلسطينيين والمنطقة. بل أكثر من ذلك، استسلمت دولٌ أخرى كانت تتظاهر بالممانعة، وأصبحت تتسابق على التطبيع مع الاحتلال.

رئيس مجلس “السيادة” السوداني عبد الفتاح البرهان يلتقي نتنياهو في أوغندا، بترتيبٍ من الإمارات العربية المتحدة، ويتفق معه على تطبيع العلاقات تدريجيا مقابل إلغاء بلده من القائمة الأمريكية للإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية عنه، ومساعدته على “التحديث”.. ونتنياهو يساوم ملكَ المغرب محمد السادس على التطبيع مقابل تغيير موقف ترامب من الصحراء الغربية وإقناعه بالاعتراف بـ”سيادة” المغرب عليها وفتح قنصليةٍ أمريكية فيها. ومع أنّ المغرب لا يزال مترددا بهذا الشأن، إلا أنّ امتداح وزير خارجيته ناصر بوريطة لـ”صفقة القرن” ووصفها بـ”الإيجابية”، وتصريحه الذي أكّد فيه أن “الصحراء الغربية هي القضية الأولى للمغرب وليست فلسطين”، يجعلنا نشعر بأنه يمهّد للموافقة على عرض نتنياهو، وبأنّ المقام لن يطول بمحمد السادس حتى يستقبله في الرباط.

الواضح اليوم أنّ هناك تحوُّلاتٍ دراماتيكية كبرى تجري في المنطقة؛ نصف الدول العربية تقريبا تهرول الآن، علانية أو سرا، نحو مجرمي الحرب الصهاينة، متناسية 72 سنة من المذابح بحق الفلسطينيين والعرب.. دولُ الخليج، باستثناء الكويت، تستعدّ للتطبيع مع الاحتلال والتحالف معه عسكريا بذريعة “صدّ الخطر الإيراني”، وقد تنضمّ مصر والأردن إلى هذا التحالف.. وسودان “الثورة” التي أطاحت بالبشير يطبّع مع الاحتلال بحجّة أنّ ذلك “سيحمل الخير للسودان؟!” كما قال البرهان لموقع “تاسيتي نيوز”.. وكأنه نسي وقوف هذا الكيان وراء انفصال جنوب السودان عن بلده، وتأجيج أزمة دارفور، وقصف مصانعه.. والمغرب قد يقبل عرض نتنياهو بهدف كسب حليفٍ قويّ قد يرجّح كفّته ضدّ الجزائر في قضية الصحراء الغربية…

ليس هناك شكّ في أنّ الكيان الصهيوني سيكون المستفيد الأكبر من هذه الهرولة المُذلّة والتسابق المهين للعرب على الارتماء في أحضانه؛ إذ سيشجّعه التطبيع، أو الخيانةُ العظمى بتعبير الرئيس التونسي قيس سعيّد، على مواصلة قمعه للفلسطينيين، والتنكر لأبسط حقوقهم، وتنفيذ صفقة القرن خطوة خطوة.. وفي المقابل، لن ينصر هذا الكيانُ الخليجيين إذا اندلعت حربٌ بينهم وبين إيران ولن يعرِّض مدنَه لمئات الآلاف من الصواريخ دفاعا عنهم، وسيتركهم لمصيرهم، ولن يساعد السودانَ في تحديث اقتصادها كما لم يساعد مصر والأردن على الخروج من الفقر والتخلف وتحقيق الرخاء ورغد العيش بعد تطبيعهما معه سنتي 1979 و1994، واعترافُ المغرب بالكيان -إذا حصل- مقابل انحياز أمريكا إليه في قضية الصحراء الغربية لن يُنهيها لصالحه، لأنها ببساطة قضيةٌ أممية وليست بيد أمريكا.

اليوم تضيع فلسطين وتُهوَّد القدس والأقصى، ويُحضّر مشروعٌ خطير لتصفية حقوق شعبٍ عربي مسلم بأكمله.. ومع ذلك نجد نصف الدول العربية تنخرط مغمضة العيون في هذه المؤامرة وتحشد أموالها وجهودها السياسية لتحقيقها، وترتمي في أحضان العدوّ بلا تردّد وبشكل مهين، بل إن البرهان لم يجد ضيرا في التصريح بأنه أدى صلاة الاستخارة قبل لقائه بنتنياهو ودعا اللهَ بتيسيره له إذا كان فيه خيرٌ للسودان! أيّ دركٍ أسفل هذا الذي انحدر إليه العرب؟!

مقالات ذات صلة