الرأي

ضربني وبكى…!

قادة بن عمار
  • 2266
  • 6

مؤسف جدا أن يتورط بعض أشباه الصحفيين والمثقفين والكتّاب في ممارسات بشعة على غرار محاسبة الضمير وملاحقة حرية التعبير والتحريض على اعتقال الرأي المختلف، خصوصا أنّ هؤلاء من المحسوبين على “الحرية” ظلما وعلى “الثقافة والصحافة” زورا وبهتانا، صدّعوا رؤوسنا لفترة طويلة، بالدفاع عن المثل والمبادئ والأخلاقيات، لكن “وقت الصحّ” يظهر هؤلاء “عرايا في شارع مزدحم” غير قادرين على إخفاء حقيقتهم المخجلة ولا ستر عورتهم الإيديولوجية المتّسخة!
في هذا البلد بالذات، هنالك من يصف نفسه بالعلماني وهو لا علاقة له بالعلمانية، مثلما هنالك إسلاميون لا علاقة لهم بالإسلام، وديمقراطيون لا علاقة لهم بالديمقراطية، ومثقفون لا علاقة لهم بالثقافة، وصحفيون لا علاقة لهم بالصحافة… هؤلاء مرضى بالشهرة وضحايا جدد لادعاء المعرفة بكل شيء!
احتجاجات ورقلة التي منع خلالها حفل فني، دفعت البعض إلى النبش في فكره الملوث مرة أخرى، مستعملين فزاعة التسعينيات ضدّ مواطنين يختلفون معه، وإن كانوا أكثر انفتاحا منه، بالقول إنهم “ظلاميون، رجعيون، إرهابيون”، رغم أن النقاش الذي انطلق في ورقلة لم يكن سببه منع حفل أحد المغنين ولا حبّا في أداء الصلاة بالشارع لكنه أتى بحثا عن التنمية الغائبة والكرامة المهدورة وفرص الشغل القليلة، إلا أن “زمرة” من أتباع تيار “ضربني وبكى، سبقنى واشتكى” سرعان ما حولته إلى نقاش حول الحرية، وإلى صراع بين العلمانية وتنامي ما وصفوه بالأصولية وعودة الفيس ووو.. وهي كلها نظريات قديمة و”كليشيهات فارغة” تصب في مصلحة طرف واحد لا يريد الاستماع إلى انشغالات المواطنين الحقيقية بل ويهمه جدا ممارسة مثل هذا الانحراف والشذوذ الفكري والإيديولوجي بحثا عن كسب مزيد من الوقت وتشتيت للأولويات!
وفي الوقت الذي كان فيه بعض “أشباه” الصحفيين والمثقفين، يمارس عصبيته المقيتة وهوايته المفضلة بتصنيف المواطنين إلى إيديولوجيات وبتقسيم ولايات الوطن إلى جهات، قرر رئيس بلدية بجاية تحويل أموال مهرجان غنائي إلى التنمية وتحديدا لتعبيد الطرقات والقضاء على النفايات، قائلا إن بلدية لا تملك مؤسسة لجمع القمامة، لا يمكن لسكانها الرقص وسط الأوساخ!
هذا هو النقاش الحقيقي، نقاش حول الأولويات، وبحث عن فائدة المواطن، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وبالمناسبة، ففي تونس، منعت مهرجانات عديدة وألغيت حفلات لنجوم كبار بسبب الفقر وقلة الموارد المالية، ووقع منع مماثل في الأردن والمغرب أيضا، لكن لا أحد من الرافضين خرج في وسائل الإعلام ليتهم مواطنين آخرين بممارسة “الإرهاب”، أو بالجهل والتعصب، ما عدا في الجزائر، هنالك حالات شاذة لا تريد أن تشفى ولا أن تتحرر من لوثة التسعينيات معتقدة أن امتلاكها بعض المنابر في الداخل والخارج، يبرر لها إقصاء الآخر أو تعقيده بما يمثل جزءا من هويته الوطنية والدينية واللغوية، لكن هيهات!

مقالات ذات صلة