الرأي

“طالبان” ورقة استراتيجية في ظرف إقليمي طارئ

ح.م

ضمنت حركة طالبان امتيازا تفاوضيا، يجعلها في موقع القوة، وهي تفاوض الولايات المتحدة الأمريكية حول مستقبل أفغانستان، بينما تواصل شن هجماتها الإرهابية ضد أهداف أفغانية.

المفاوض الأمريكي لم يفرض شروطا على حركة طالبان حين بدأ المباحثات معها في العاصمة القطرية الدوحة، وأهم هذه الشروط البديهية، وقف الهجمات الإرهابية، لإبداء حسن النية، وإرساء أرضية ملائمة لتحقيق السلام المنتظر في نهاية تلك المباحثات، التي لم يعلن الرئيس دونالد ترامب عن تعطيلها إلا بالإعلان عن مقتل جندي أمريكي !

وما كان أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خيار آخر، غير إلغاء المحادثات المقرر تواصلها مع حركة طالبان في كامب ديفيد، بعد تبنيها تفجيرا إرهابيا في العاصمة الأفغانية كابول راح ضحيته 12 شخصا من بينهم جندي أمريكي.

الهدف الأمريكي من وراء الجلوس حول طاولة مباحثات مع طالبان في غياب حكومة أفغانستان الشرعية، لم يكن إيقاف الهجمات الإرهابية، طالما هناك أهداف استراتيجية أكبر، في ظل التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتصاعد حدة المواجهة الأمريكية– الإيرانية المنفتحة على احتمالات حرب إقليمية، تضحى فيها كابول عمقا عسكريا لها، لما تخبئه جغرافيتها المعقدة من أسرار قوة قابلة للمساومة.

حركة طالبان، بدت وكأنها لم تكترث بقرار الرئيس دونالد ترامب “إلغاء محادثات السلام”، واصفة إياه بـ “عديم الأثر”، فهي ترى أن إلغاء المحادثات “لن يضر أي شخص آخر بل سيضر الأمريكيين أنفسهم”، وذهبت في بيان رسمي لها أبعد من ذلك وقالت: “إلغاء المحادثات “سيزيد من خسائر الولايات المتحدة الأمريكية المادية والبشرية، وستقل مصداقيتها السياسية في التعامل السياسي الدولي، وستظهر بموقف المعادي للسلام “.

أما عمليتها المسلحة في أفغانستان فتراها ردا على هجمات عسكرية أمريكية، تستهدف حياة وممتلكات الشعب الأفغاني بالتنسيق مع حلفائها في كابول.

 لم تغلق طالبان الباب في وجه البيت الأبيض، وتركت الباب مفتوحا لمحادثات مستقبلية، وأظهرت دبلوماسية عالية تحصنت فيها من مساوئ رد منفعل، وهي تؤكد بهدوء لا يشبه عنفها الإرهابي: “أنها ستلتزم بالحوار، إذا كان طريقه مفتوحًا” .

يستند مفاوضو طالبان على قاعدة قوية، لا تعرف القلق أو التسرع، وهم يتسلمون دعوة الرئيس ترامب لزيارة الولايات المتحدة في أواخر أغسطس الماضي، داعين في البدء إلى تأجيل زيارتهم هذه حتى توقيع الاتفاق في العاصمة القطرية الدوحة، قبل أن يلغيها ترامب.

وأمام هدوء دبلوماسية طالبان، عاد وزير الخارجية الأمريكي ماك بومبيو ليكافئ تلك الدبلوماسية بدبلوماسية أهدأ، تذكر بمكاسب المباحثات بين الطرفين، وما تم التوصل إليه، مؤكدا حرص بلاده، على “إبرام اتفاقية سلام مع حركة طالبان” .

كادت هذه الاتفاقية ترى النور فوق أرض قابلة للحياة، لو لم يعطلها تفجير كابول يوم الخميس الماضي الذي أسفر عن مقتل جندي أمريكي، أجبر الرئيس ترامب على إيقاف عجلة تقدمها.

مباحثات السلام ستعود، فـ “طالبان” التي أبدت مرونة في القبول بشروط أمريكية، يجعلها تلتقي مع قادة أفغانستان وتفك ارتباطها مع تنظيم القاعدة، يراودها حلم إعادة إحياء “إمارتها الإسلامية” في ظرف إقليمي طارئ جعلها ورقة لا يمكن التخلي عنها !!

مقالات ذات صلة