-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
67 سنة على مغادرة أسلافهم مدرجات العلم لأجل الوطن

طلبة الجزائر.. من حرب التحرير إلى ثورة المعرفة والتكنولوجيا

إلهام بوثلجي
  • 365
  • 0
طلبة الجزائر.. من حرب التحرير إلى ثورة المعرفة والتكنولوجيا
أرشيف

يعود عيد الطالب هذه السنة والجزائر تعيش عصر الإقلاع الاقتصادي والاندماج في عالم الثورة التكنولوجية والرقمية، التي رفعت الدولة شعارها بسواعد النخبة من أبناء هذا الوطن، فيما تجسدت في عديد المشاريع بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي واندمج فيها الطلبة مدركين بأن ثورة البناء والمعرفة هي أساس النهضة والازدهار.
إذا كان تاريخ الـ19 من ماي 1945 رمزا للطلبة المناضلين الذين أسسوا لثورة التحرير وتركوا القلم من أجل أن يحيا الوطن، فإنّ سنة 2023 هي قاطرة الثورة التكنولوجية والعلمية التي انخرط فيها الطلبة، ودعمها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إيمانا منه بأن بناء الجزائر الجديدة لن يكون إلا بسواعد شبابها ونخبتها من الطلبة والباحثين.
وبالموازاة مع القرارات التي اتخذتها وزارة التعليم العالي لتشجيع الابتكار والذكاء الاصطناعي ودعم المشاريع الناشئة لجعل الجامعة قاطرة للتنمية وخدمة المواطن والمجتمع، كان وعي الطلبة جليا وواضحا، فبدأت أولى ثمار الإصلاحات وملامح الثورة العلمية تظهر، من خلال مختلف الإنجازات التي احتضنتها مراكز البحث والجامعات، على غرار مشروع تصنيع نموذج أول سيارة كهربائية جزائرية مئة بالمئة الذي جسّده باحثون بمركز البحث بالتكنولوجيات الصناعية بالشراقة، بالإضافة إلى تقديم الطلبة لمشروع لتطوير 3 نماذج لطائرات مسيَّرة “درون” بمركز البحث في التكنولوجيات الصناعية ببوسماعيل، وغيرها من الإنجازات التي شهدتها سنة 2023 بسواعد الطلبة الجزائريين الذين أثبتوا بحق بأنهم سيواصلون حمل الأمانة التي تركها أجدادهم الشهداء، فبعدما ساهم طلبة 19 ماي 1956 في الثورة ضد المستعمر الغاشم فهم الآن يحملون راية البناء والتقدم من أجل جزائر متطورة ومزدهرة.
وفي هذا السياق، ارتأت “الشروق” بمناسبة الذكرى الـ67 لعيد الطالب تسليط الضوء على دور الطلبة في ثورة التكنولوجيا والمعرفة وانخراطهم في بناء الجزائر الجديدة، وما قدّمته الوزارة من قرارات لدعم الجيل الذي سيُشارك في قاطرة التنمية.

الطلبة هم مهندسو الثورة المعرفية والتكنولوجية
وفي هذا المقام، يرى الأستاذ الباحث بجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا شريط جمال أن الجزائر شهدت خلال التاريخ المعاصر والحديث عدة محطات مفصلية، بداية من ثورة التحرر من المستعمِر والمستدمر ثم البناء والتنمية والتعمير وصولا للثورة العلمية والمعرفية، وتشترك هذه المحطات –يقول- في كون مهندسيها هم الطلبة الجزائريون.
وذكّرَ في هذا الصدد بتاريخ 19 ماي 1956 الذي شكل نقطة محورية في ثورة التحرير، من خلال الإضراب الطلابي الذي دعا إليه الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين ولبى نداءه الطلبة تحت شعار “البندقية والقلم لتحرير الجزائر”.
وأضاف شريط: “بعد تحريره لبلده، لم يبق الطالب مكتوف الأيدي بل كان المهندس الحقيقي لبناء الوطن من خلال مساهمته في فترة النهضة خلال سبعينيات القرن الماضي وماعرفتها من ثورات صناعية وزراعية”، وأردف: “في فترة حالكة بالظلام عرفتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي لم يبق الطالب مكتوف الأيدي بل شارك بكل الطرق في مقاومة الإرهاب الأعمى..”
وعرَّج المتحدِّث على مرحلة التحوُّل مع قدوم عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم، إذ سارعت السلطات العليا في البلاد إلى إيجاد آلياتٍ لمرافقة الطلبة الجزائريين وتوفير بيئة ملائمة لإخراج ما لديهم من قدرات وإمكانات خاصة في مجال الرقمنة والتكنولوجيا.

إنشاء قطب تكنولوجي يحوي مدارس عليا للتكوين
وأكد شريط بأن خصوصية المرحلة والتحول الرقمي والتكنولوجي في دول العالم، دفعت السلطات العليا إلى رفع التحدي عاليا لتشجيع الطلبة على الانخراط في ثورة المعرفة والتكنولوجيا للمساهمة في بناء الجزائر الجديدة، إذ أمر الرئيس بإنشاء قطب تكنولوجي يحوي مدارس عليا للتكوين في تخصُّصات مهمة كالذكاء الاصطناعي والرياضيات ومدرسة طب الغد وتكنولوجيا النانو والطائرات المسيرة.. بالإضافة -يقول- إلى تأسيس مجلس أعلى للشباب لإشراكهم كقوة فاعلة للتغيير والإصلاح.
وأشار الأستاذ بجامعة باب الزوار إلى أن قطاع التعليم العالي شهد ثورة كبيرة من خلال فتح عدة ورشات إصلاحية ومشاريع لتشجيع الطلبة على الإبداع، ومنها الرقمنة وترقية الجامعة المواطنة والرياضة وسينما الجامعة، من أجل توفير بيئة ملائمة للطالب لتقديم مردود بحثي وعلمي كبير، ولفت إلى أن ثمار الإصلاحات بدأت تتجلى من خلال انخراط الطالب في مشاريع المؤسسات الناشئة ومختلف الإنجازات البحثية.
ومع الانفجار الرهيب لمجال الذكاء الاصطناعي في العالم، يرى شريط أن الطالب الجزائري سارع إلى مسايرة هذه الثورة، يقول: “بعدما كنا نسمع عن انجازات هنا وهناك في العالم، فإننا نرى اليوم مشاريع وانجازات جزائرية”، مشيرا إلى أن الوزارة تحضّر لإطلاق مشروع تم إعداده بواسطة الذكاء الاصطناعي من طرف شباب جزائريين في مجال الطائرات المسيَّرة بعدما أبدع الطلبة في مختلف المؤسسات الجامعية في إنجاز مسيَّراتٍ محلية الصنع، كما أن هذه الإنجازات تعدّت حدود الوطن ونالت جوائز كثيرة، لاسيما أننا شهدنا -يقول- خلال السنتين الأخيرتين تفوّق الطلبة الجزائريين وحصولهم على مراتب أولى في عدة مسابقات عالمية، كما أن الجزائر تعدّ بلدا رائدا في مجال الرياضيات على المستوى الإفريقي.

الطلبة مدعوّون إلى الانخراط في الثورة العلمية والمعرفية
من جهته، أكد مدير التكوين والتعليم العالي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي جمال بوقزاطة لـ”الشروق” أن الطلبة مدعوّون اليوم أكثر من أي وقت مضى للانخراط في الثورة العلمية والمعرفية، مشيرا إلى مشروع عصرنة الجامعة وما يحمله من تحيين عروض التكوين وجعلها تستجيب للتطورات التكنولوجية الحاصلة في مجال المعرفة لاسيما الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الدقيقة والمتقدمة وعصرنة وحوكمة الجامعة الجزائرية، وجعلها مؤسسة مواطنة تنتج الثروة ليتحقق بذلك التزامُ رئيس الجمهورية رقم 41 الذي تعهَّد فيه بجعل الجامعة قاطرة للتنمية الوطنية.
وتابع بوقزاطة: “في قلب هذه الحركية يحتلّ الطالب مكانة بارزة باعتباره أهم عنصر في الإصلاح وخالق للثروة والإبداع”، ومن أجل مرافقة الطلبة ليكونوا فاعلين في ثورة التكنولوجيا-يضيف- أصدرت الوزارة بمعية وزارة اقتصاد المعرفة عدة قرارات تتيح للطلبة الابتكار وتسمح أيضا للباحثين بتقديم مشاريع مبتكرة في إطار مؤسسات ناشئة.

من باحث عن عمل إلى موفّر لمناصب شغل
وأكّد بوقزاطة أن الوزارة رافقت الطلبة في هذه الديناميكية من خلال استحداث حاضنات للمشاريع المبتكَرة في الجامعات ودعمها لتتطور حتى تصبح مشاريع منتجة، فأصبحنا اليوم نتكلم –يقول- عن طالب موفّرٍ لمناصب شغل بدلا من طالب باحث عن عمل، مشيرا في السياق إلى مشروع “طالب خمس نجوم” الذي تم استحداثه هذه السنة لمرافقة الطلبة المبدعين والمتميزين سواء في المسار الدراسي أو مهارات التواصل والإبداع والتحكّم في اللغات، ليقول: “اليوم نحن نتحدث عن طالب مواطن يساهم بأفكاره وأعماله في المجتمع”، ولفت إلى أن الجامعة الجزائرية تشهد ثورة من كل النواحي وتجربة جديدة، بعدما كانت تكتفي بمهمتها المتمثلة في إنتاج المعارف ونشرها والتكوين والبحث، فاليوم نريد أن نحقق المثلث الذهبي المتمثل في التعليم والبحث وإنتاج الثروة، حتى لا تبقى مجرد جامعة أفلاطونية -يقول- لا تنزل من برج أكاديمي بعيد عن الانشغالات المجتمعية، الآن هي تعمل على أن تقوم ببحث جيد وتكوين في مهن المستقبل وعلم نافع ينتج لنا نماذجَ وحلولا لمشاكل المجتمع.
وأكد بوقزاطة أن الطلبة اليوم يشاهدون ما يحصل في العالم ولديهم معرفة تكنولوجية واسعة، ومع بروز اقتصاد المعرفة بات من الضروري الاستفادة من هذه المعرفة وصقلها لاستخدامها في مكانها الصحيح، وهو ما تعول عليه الوزارة من خلال إدماج تخصص الذكاء الاصطناعي في كافة التكوينات من أجل المساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني والخروج من الاقتصاد الريعي البترولي، وكشف عن تنصيب الوزارة لدور الذكاء الاصطناعي في عدة مدن جامعية، فيما سيتم إنشاء مجلس علمي للذكاء الاصطناعي لوضع أسس علمية لهذه الثقافة الجديدة حتى يصبح الذكاء الاصطناعي بُعدا من أبعاد ثقافتنا ونلقن للجيل الصاعد كيفيات إنتاج ثروة تعوض المحروقات.

2023 سنة استثنائية.. 7 آلاف مؤسسة ناشئة
بدوره، قال البروفيسور أحمد مير رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمتابعة الابتكار وريادة الأعمال الجامعية ممثل وزير التعليم العالي، إن هذه السنة تعدّ استثنائية بالنسبة للطلبة الذين أثبتوا جدارتهم في حمل رسالة طلبة 19 ماي 1956 الذين خاضوا ثورة التحرير ضد المستعمِر الغاشم، لينخرط طلبة 2023 في ثورة المعرفة والتكنولوجيا.
وأضاف البروفيسور مير: “هذه السنة ولأول مرة خرجت مذكرات التخرج من أدراج المكتبات لتصبح مشاريع لمؤسسات اقتصادية والتي يمكن أن توفّر مناصب شغل وتُنتج الثروة لمحيط الجامعة والاقتصاد المحلي والوطني”، ولفت إلى أن طموح الطلبة ووعيهم في مرحلة البناء التي تشهدها الجزائر تجلى من خلال تسجيل أزيد من 11 ألف فكرة لمشروع مبتكِر منذ إطلاق القرار رقم 1275، وبعد خضوعها للبلورة والانتقاء من قبل اللجان العلمية للحاضنات -يقول- تم توجيهها نحو مؤسسات ناشئة أو مصغرة أو براءة اختراع، منها من تم إعادة توجيهه إلى مذكرة أكاديمية لأنه يخلو من البُعد الاقتصادي والتجاري، لنحصل بعد عملية التقييم على 7 آلاف فكرة مبتكِرة قابلة للتجسيد في مشروع اقتصادي بعد مراققتها في 94 حاضنة أعمال و84 دار مقاولاتية على مستوى مؤسسات التعليم العالي.

إدماج الذكاء الاصطناعي في مختلف التخصصات
وشرح البروفيسور مير بأن حاضنات الأعمال تتولى مرافقة الطلبة أصحاب المشاريع الابتكارية، أما دور المقاولاتية فترافق الطلبة ذوي المشاريع ذات البعد الاقتصادي، في حين يرافق مركز الدعم التكنولوجي والابتكاري الطلبة في مجال التحسيس بالملكية الفكرية، وكذلك إيداع براءات الاختراع، فيما يتولى مركز دعم الربط بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية جلب الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين للاطّلاع على نوعية المشاريع المبتكرة، وإمكانية تمويلها وتجسيدها في أرض الواقع عبر مختلف الواجهات التي تقوم بمرافقة للمشاريع من خلال الاستراتيجيىة الكلية للقطاع، وهي الانطلاق بذهنية الطالب من طالب باحث عن منصب شغل إلى طالب موفّر لمناصب شغل.
وأكد البروفيسور مير أن الوزارة خصصت كل الإمكانات والوسائل لمرافقة الطلبة ودعمهم للانخراط في الثورة العلمية، وهذا بداية بفتح ورشات إصلاح لقطاع التعليم العالي من خلال التركيز على المهن الجديدة وفتح تخصصات تتواكب ومستجدات المرحلة ورهاناتها وتستجيب للتحول الرقمي الحاصل في العالم، إذ عمدت الوزارة –يقول- إلى فتح مشروع شهادة بكالوريا في تخصُّصين، والعمل على إدماج الذكاء الاصطناعي في مختلف التخصصات التقنية والعلمية، مع تعزيز اللغة الانجليزية وتعميمها، بالإضافة إلى مشروع الرقمنة الذي يعدُّ مشروعا رائدا في قطاع التعليم العالي، مشيرا إلى أنه خطا خطواتٍ كبيرة نحو تحقيق أهداف المخطط الاستراتيجي للرقمنة.

طلبة المدرسة العليا لعلوم البحر.. نموذج الثورة العلمية
من النماذج المميزة التي قدمها الطلبة خلال سنة 2023، نذكر تجربة المدرسة الوطنية العليا لعلوم البحر في تطوير تقنية تكنولوجيا ابتكاريه لتربية الحبّار، إذ أكد الدكتور هشام لورغيوي، نائب مدير المدرسة الوطنية العليا لعلوم البحر وتهيئة الساحل، أنها تدخل في سياق مشاركة الطلبة في الثورة العلمية والتي أضحت شيئا ضروريا في تحقيق التقدم العلمي، باعتبار أن الطالب هو العنصر الأساسي والمحوري في المدرسة والجامعة، وينتظر منه –يقول- أن يتلقى العلم ليجسده ميدانيا خلال تواجده في الجامعة أو بعد تخرجه في أي مكان تدمج فيه التقنيات والتكنولوجيات.
وأفاد الدكتور لورغيوي بأن مساهمة الطلبة في ثورة التكنولوجيا والمعرفة ستنعكس على المجتمع وكل القطاعات التي يكون فيها، فهو سيوصل –يقول- هذه المكاسب والمناهج والتقنيات ويعممها، وهو ما يعد مساهمة في بلورة ثورات علمية تطبيقية، ولفت ذات المتحدث إلى أن الطالب هو عنصر أساسي في إجراء البحوث من الطور الأول إلى التدرج، وهي البحوث التي قد تتحول إلى اختراعات وابتكارات.
وأشار نائب مدير المدرسة الوطنية العليا لعلوم البحر وتهيئة الساحل إلى أن الطالب باعتباره في مرحلة الشباب فهو من أكثر الفئات في المجتمع مواكبة للتطورات خاصة التكنولوجيا منها، مضيفا إلى أن الطالب في تطور مستمر وتحوُّل دائم باعتباره مادة خامّا وسوف يكون سببا لتطور المناهج التكوينية، وهذا للتأقلم مع متطلباته في ميادين مختلفة من التكنولوجيات وتقنيات الاتصال الحديثة، التي من شأنها تشجيع مهمة التعلم التي تعدُّ ثورة علمية داخل منظومة التعليم والتكوين الجامعي.
وفي هذا السياق، ذكَّر المتحدّث بدور النوادي العلمية للطلبة في رفع التحديات والمنافسة نحو الاختراعات والابتكارات، وخلق جو ملائم ومحفز يؤدي إلى الاكتشافات، مستدلا بأنشطة النوادي العلمية داخل المدرسة الوطنية العليا لعلوم البحر وتهيئة الساحل بدالي إبراهيم: “إيمانا ووعيا منا بالدور الذي يؤديه الطالب في هذا المجال فالمدرسة تشجع وتستعين بالطاقة الايجابية لهؤلاء الطلبة للمشاركة في المشاريع الابتكارية والبحثية وحتى التجريبية”، مشيرا إلى السعي الدائم لاستحداث مناهج ووسائل تعليمية جديدة ومبتكَرة تتلاءم وتطلعات طالب اليوم، مثل تقنية الواقع الافتراضي في التكوين والتعليم في ميدان علوم البحر التي أصبحت مدرستنا رائدة فيها، إذ تم إدماج الطلبة في هذا المجال من البلورة إلى التجريب إلى التجسيد بصفتهم أول المستفيدين من هذا النموذج الملموس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!