الجزائر
"الشروق" تزور أول مركز للرعاية النفسية بجامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله

طلبة جامعيون.. من سلوكيات مَرضية إلى شخصيات قيادية

روبورتاج: وهيبة سليماني
  • 1721
  • 0
أرشيف

يواجه الطلبة الجامعيون، ضغوطات اقتصادية واجتماعية إلى جانب ضغوط الدراسة، وبقاء بعضهم بعيدين عن الأهل لأشهر في الإقامات الجامعية، الأمر الذي قد يصيبهم باضطرابات نفسية، خصوصا عند تعرضهم لفشل دراسي، حيث سيعزز القانون الأساسي للتعليم العالي بعد تعديله، نشاطات مراكز الدعم النفسي للطلبة المتواجدة على مستوى الجامعات متعددة التخصصات، ويحتم عليها مستقبلا القيام بالدور المنوط بها.
ويبقى مركز المساعدة النفسية سامية بن ونيش بجامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله ببوزريعة، الذي تمتد خبرته إلى 30 سنة، الأكثر نجاحا في الميدان، من خلال استقبال ومتابعة أكثر من 62 طالبا جامعيا، وتقديم العلاج النفسي اللازم لهم.

من هنا تخطى عشرات الطلبة العقبات النفسية وشقوا طريقهم نحو النجاح
واستطاع مركز المساعدة النفسية بجامعة الجزائر 2 ببوزريعية الذي أنشئ سنة 1987 بمقتضى قرار مدير الجامعة في ذات السنة، وباقتراح من طرف عميدة علم النفس العيادي أنذاك، سامية بن ونيش، حل المشاكل النفسية للكثير من الطلبة، خاصة ما بين الفترة 2003 إلى يومنا هذا، حيث عالج اضطرابات نفسية حادة لفئة من الطلبة الذين فكروا في الانقطاع عن الجامعة، بعد تدني تحصيلهم.
وزارت “الشروق”، هذا المركز الذي نجح حسب جمال بوقزاطة، مدير التكوين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بفضل المبادرات الفردية، في علاج مشاكل الكثير من الطلبة، “حتى اصبح له قانون أساسي، وإمكانات مادية وبشرية تؤهله لاستقبال وعلاج الاضطرابات النفسية المتجذرة في الطلبة منذ الطفولة أو التي لها أسباب تمتد إلى هذه المرحلة العمرية او مرحلة المراهقة”.
ومن خلال استطلاع قامت به “الشروق” مع بعض طلبة جامعة بوزريعة، تبين أن اغلبهم على دراية واسعة بأهمية مثل هذه المراكز في الوسط الجامعي، خاصة أن مشاكلهم اليوم أصبحت عددية ومختلفة، في ظل الضغوطات النفسية والاجتماعية والدراسية، وانتشار بعض الظواهر الاجتماعية، وتأثير وسائط التواصل الاجتماعي في بعض السلوكيات، بالمقابل أكد العديد منهم أن زيارة مراكز المساعدة النفسية في الوسط الجامعي، لا يتقبلها البعض، حيث أكدت الطالبة الجامعية “شهيناز.ب”، تخصص علم الاجتماع، “أن العديد من الطلبة لا يفرقون بين العلاج النفسي والعلاج العقلي والعصبي، ويرفضون التوجه لمثل هذه المراكز، رغم مستواهم التعليمي..”.

هذه أهم المشاكل النفسية التي يعانيها الطلبة
وفي مقابلة مع الدكتورة دليلة حدادي، مديرة مركز المساعدة النفسية الجامعي ببوزريعة، والذي يحمل اسم “سامية بن ونيش”، أكدت لنا أن النتائج أثبتت فعالية العلاج المعرفي السلوكي في مساعدة الطلبة على حل مشاكلهم النفسية، وانعكس ذلك، على أدائهم الدراسي والاجتماعي، كما تبين دور مركز المساعدة النفسية في حل المشكلات النفسية للطلبة الجامعيين في إطار التفتح على مختلف النظريات النفسية كالنظرية السلوكية.
وقالت إن المركز يستقبل سنويا عشرات الطلبة، اغلبهم من جامعة الجزائر2، وهؤلاء يسجلون عندهم ويتابعون العلاج، موضحة أن هذه الحالات تعاني اضطرابات نفسية حادة كالوسواس القهري والرهاب والتفكير في الانتحار، والاكتئاب الحاد والعزلة، والقلق الحاد، وأفكار الاضطهاد واختلال التوازن النفسي، وهي كلها اضطرابات لها امتداد لمشاكل في الطفولة، وتطورت وأصبحت مشكلة نفسية حقيقية مع الضغوطات من بينها ضغوطات الدراسة والجانب المادي المتعلق بالمصاريف.
وأشارت الدكتورة حدادي، إلى أن المركز أحصى 8 أسباب وراء اضطرابات الحالة النفسية للطلبة الجامعيين، وقالت إن أغلب الطلبة للأسف لا يفكرون في زيارة مركز المساعدة النفسية، عندما تكون لديهم ضغوطات وقلق، حيث أن الحالات التي تضطر لعرض مشكلتهم على الطبيب النفساني، تتعلق باضطرابات نفسية حادة تؤدي بأصحابها إلى التفكير في الانقطاع عن الدراسة وهذا بعد تدن ملحوظ في التحصيل العلمي.
وقالت الدكتورة دليلة حدادي أن عملها كمعالجة نفسية مع الطلبة الذين ترددوا على هذا المركز، كانوا يعانون من اضطرابات نفسية محددة كالمخاوف المرضية والوساوس القهرية، والاكتئاب والقلق، تبين مدى حجم الإعاقة التي تسببها الاضطرابات النفسية للفرد المصاب، إلى جانب الألم والمعاناة، حيث اعتبرت الحالة النفسية السيئة مشكلة تعطل الطالب عن ممارسة حياته بشكل طبيعي، فالاضطرابات النفسية تؤثر على القدرات المعرفية.
وأكدت حدادي، أن استقبال الطلبة وتسجيلهم كأشخاص يحتاجون للعلاج النفسي للمركز، يتطلب جدية وصرامة، حيث لا تقبل الحالات التي يتبين أنها تأتي فقط من اجل الفضول او بسبب مشاكل واضطرابات نفسية خفيفة أو عابرة، فالعلاج يبدأ بتسجيل الحالة وبياناتها واستقبال ملف كامل، ويدوم مدة تصل إلى أكثر من 6 أشهر في بعض الأحيان، وينتهي بنتائج تعديل السلوك المرضي واستبداله بسلوك مقبول وايجابي عند الطالب الذي تلقى المتابعة النفسية.

طلبة جامعيون.. من سلوكيات مرضية إلى شخصيات قيادية
وتبين فعالية العلاج النفسي حسب محدثتنا في عدة نماذج من الطلبة بينهم من استعملت معهم مختلف التقنيات المعرفية السلوكية، بفرز دور المركز في حل المشكلات النفسية وتحسين الأداء الدراسي والاجتماعي، وقد كشفت لنا الدكتورة دليلة حدادي، مديرة مركز المساعدة النفسية، عن بعض الحالات لطلبة تم علاجهم في السنوات الأخيرة للمواسم الدراسية الجامعية.
ومن بين هؤلاء، “طالب جامعي كان يعاني الاضطراب في الاتصال وكان يدرس في تخصص إعلام واتصال يبلغ من العمر 22 سنة، كان لديه مشكل عدم القدرة على نطق حرف “السين” بشكل صحيح حيث ينطق مكانه حرف “الشين”.
معاناته النفسية تسببت له في انخفاض تقديره لذاته وتراجع التحصيل الدراسي والرغبة في عدم مواصلة الدراسة الجامعية، فبعد متابعة العلاج في ذات المركز، أصبح لديه ثقة في النفس واجتهد والآن هو يعمل بعد نيله الشهادة الجامعية.
ومن خلال مراحل العلاج النفسي تبين انه كان يعاني السلطة الأبوية إلى درجة الرقابة الصارمة على الذات حتى في كيفية نطق الحروف”.
وتتعلق الحالة الثانية، حسب مصدرنا، بطالبة جامعية في العلوم الاجتماعية تعرضت لحادث صدمة بسبب تفجيرين إرهابيين، حيث خلف لها هذان التفجيران حالة نفسية يتخللها البكاء والخوف والتعرض للكوابيس الليلية، والتفكير الدائم في الانفجارات، كانت لديها قابلية الإثارة، وتتجنب الخروج خاصة في تواريخ معينة، تتجنب أيضا الأماكن المزدحمة، كمحطات الحافلات، ولا تستطيع التركيز في دراستها الجامعية.
“وبعد العلاج استطاعت أن تتخلص من مخاوفها ومن رهاب الذهاب إلى الأماكن التي كانت تتجنبها، كما تغلبت على حالتها النفسية بمواصلتها الدراسة، بعد أن كانت تسيطر عليها فكرة أنها نذير شؤم كلما تخرج تحدث كارثة”.
وأما حالة طالبة تبلغ من العمر 23 سنة، تضيف الدكتورة حدادي تدرس تخصص إعلام آلي، فتتعلق باضطراب الوسواس القهري، حيث تقضي وقتا طويلا في الغسل وإعادة الوضوء وإعادة الصلاة وتشعر بالاكتئاب والقلق وانخفاض التحصيل الدراسي، وتعتقد أن لا قيمة لها بدون الحصول على علامات جيدة، فقد كانت تشعر بالذنب وتلوم ذاتها بخصوص الدين لاعتقادها انها ترتكب المعاصي.
وكشفت الدكتورة أيضا عن حالة طالبة جامعية كانت تبلغ 20 سنة، وكان لديها اضطراب الاكتئاب، وكانت تعاني الشعور بالوحدة والانطواء وآلام جسدية ونفسية، وكانت تبكي من دون سبب وتشعر بالتعب دون أي جهد، “وكانت ترى الكوابيس الليلية المزعجة، ولديها شعور التفكير في الانتحار والرغبة في ترك الدراسة، وتبين من خلال متابعتها نفسيا، أنها كانت تعيش في أسرة فقيرة ماديا ومعنويا، وتتخبط في العنف بين الوالدين، كما أنها تعرضت إلى صدمة عندما عرفت أن الشاب الذي كانت تعتقد انه يحبها، لا يبالي بها ما عزز شعورا لديها بأن لا قيمة لها، ولكن بعد العلاج نجحت وتحصلت على الليسانس”.
وأما حالة طالبة تدرس تخصص التاريخ وتبلغ من العمر 25 سنة، “كانت تتميز بشخصية حادة، وكان لديها اندفاع احساس بالفراغ وعدم استقرار انفعالي، واضطراب الهوية والنفسي والجسدي، وكانت تحاول الانتحار، وتتعرض لكوابيس ليلية، مما تسبب في تردي أدائها الدراسي، وكشف العلاج النفسي أنها تعرضت للرفض الوالدي والحرمان العاطفي والإهمال في الطفولة المبكرة، والتعرض للعنف من طرف الخال، فكلما كان معها موقف تتعرض فيه للرفض يذكرها بما عاشته من رفض وحرمان”.
وعالج المركز أيضا، “حالة اضطراب الرهاب الاجتماعي عند طالبة في قسم الإنجليزية عمرها 22 سنة، تبين انها تعرضت في طفولتها وفي المراهقة إلى التنمر من طرف الأقران بسبب كثافة شعر يديها فتعمق لديها احساس بالخجل، وبعد العلاج نجحت في دراستها وتزوجت”.

إدخال الوسائط التكنولوجية في الجلسات العلاجية الافتراضية
ونظرا للدور الفعال الذي لعبه مركز المساعدة النفسية الجامعي سامية بن ونيش، المتواجد في جامعة بوزريعة، مع الطلبة الذين يعانون اضطرابات نفسية، والذين كانوا مهددين بالانقطاع عن الدراسة، والفشل في حياتهم، فإن الفريق القائم على إدارة هذا المركز فكر في التحضير لإدخال الوسائط التكنولوجية من خلال المقابلة الافتراضية، وهذا بعد تجربة قام بها المركز خلال مرحلة الحجر الصحي الذي تسببت فيه جائحة كورونا، حيث أكدت الدكتورة حدادي، أن التعامل مع الطلبة عن بعد اقتصر على هذه الفترة، والتي لم يكن خلالها استجابة أو اهتماما واضحا بهذه الطريقة في الاستماع والمتابعة النفسية.
وأوضحت أن المساعدة النفسية عن بعد، تستدعي توخي الحذر والتحلي بالمسؤولية وروح سرية المهنة المتعلقة بالطبيب النفساني، كما لا بد أن تكون الوسيلة ضامنة لسرية المعلومات التي يتم جمعها خلال الممارسات العيادية عن بعد.
وقالت إن هناك عناصر ضرورية لإنجاح عمليات المساعدة النفسية عن بعد، مثل تدفق الانترنت وتجنب الانقطاعات، كما يجب أن يكون هناك فريق متمرس ومهني ولديه خبرة ميدانية وتكوين جيد في تخصص علم النفس، وترى أن هذه الطريقة في التعامل الافتراضي مع الطلبة عبر مختلف مناطق الوطن يحتاج لكسب ثقة حقيقية، وحماية قانونية وعملية حفاظا على سرية المعلومات المتعلقة بالحالات الخاضعة للممارسة العيادية.

اضطرابات الكلام عند الطلبة بحاجة إلى إشراك التخصص النفسي الأرطوفوني
وكشفت الدكتورة دليلة حدادي أن جلسات العلاج النفسي مع الكثير من الطلبة عبر السنوات الطويلة التي عمل فيها مركز المساعدة النفسية سامية بن ونيش بجامعة الجزائر2، عن وجود حالات اضطراب في النطق واللغة عند بعضهم، ولكن المساعدة النفسية للمركز ساهمت في تخطي مثل هذه المشاكل.
وأكدت المتحدثة، أن المساهمة في حل المشكلات النفسية عند الطلبة انعكس إيجابا، على الأداء الأكاديمي والاجتماعي، ويتم العمل اليوم، حسبها، على تقييم العلاج بوسائل تضمن الموضوعية، وإدراج التخصص النفسي الأرطوفوني في فرق المتدخلين من المختصين النفسانيين، للتكفل بالاضطرابات المتعلقة بالنطق والكلام واللغة عند بعض الطلبة.
ونبهت، إلى أن مثل هذه المشاكل المتعلقة بالنطق، ولو كان الأمر يتعلق فقط بصعوبة في نطق حرف او استبداله بآخر، لها تأثيرات نفسية قد تؤدي إلى اضطرابات وضغوطات نفسية ودراسية، وفشل في مواصلة الدراسة، خاصة أن الجامعة حسبها، تضم عددا كبيرا من الطلبة، وتعاملات جديدة بالنسبة للطالب الذي يعاني اضطراب في الكلام واللغة.
ودعت إلى الاجتهاد في وضع معايير اختيار فرق مراكز المساعدة النفسية للطلبة الجامعيين لضمان فعالية التكفل النفسي ونتائجه الإيجابية البيداغوجية والاجتماعية وتعزيز العمل المعالج، واعتماد الاختبارات الشخصية والمعرفية للحالات التي تخضع للعلاج النفسي لضمان موضوعية المعطيات العيادية.

تفعيل دور مراكز المساعدة النفسية في باقي الجامعات
وفي هذا الصدد أكد، جمال بوقزاطة، مدير التكوين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في تصريح لـ”الشروق”، أن تعديل القانون الأساسي سيؤسس لدور مراكز المساعدة النفسية للطلبة الجامعيين، حيث يلزم ذلك كل هذه المراكز والمتواجدة على مستوى الجامعات متعددة التخصص من بينها تخصص علم النفس، بتفعيل دورها في إطار ما ينص عليه القانون الأساسي للتعليم العالي.
وأوضح، بوقزاطة، أن الطلبة ينتقلون من الدراسة الثانوية إلى الجامعة، فتختلف لديهم الظروف، ويجدون أنفسهم في وسط جديد وغريب بالنسبة للبعض، وبين أشكال وأنواع من العقليات، وزملاء وشباب يدرسون في نفس الجامعة يأتون من مختلف جهات الوطن، وبأعداد كبيرة، الأمر الذي يدعو إلى الاهتمام أكثر بالمتابعة النفسية للطلبة وبحياتهم الجامعية سواء في الدراسة أو الإقامات.
وقال إن العمل على الاهتمام بالتخصصات العلمية التكنولوجية، والسعي لأن تطغى هذه التخصصات تدريجيا على العلوم الاجتماعية والإنسانية، ليس معناه إهمال المراكز الخاصة بالمساعدة النفسية للطلبة، حيث أن المديرية المكلفة بالحياة الجامعية للطلاب، والتي استحدثت منذ سنوات قليلة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أخذت على عاتقها وبالتنسيق مع مديريات الخدمات الجامعية، على تحسين ظروف تمدرس الطلبة، والحياة الجامعية لهم سواء في أوساط الدراسة أو في الأحياء الجامعية أين يقيمون، من خلال التكوينات والمرافقات النفسية.

مقالات ذات صلة