-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

طه حسين ينتقد طريقة “الأزهر” التقليدية

خير الدين هني
  • 570
  • 0
طه حسين ينتقد طريقة “الأزهر” التقليدية

وقد صور طه حسين هذه الحياة القاسية، المتسلطة على المتعلمين والطلبة، أحسن تصوير في سيرته الذاتية المسماة بـ”الأيام” حين كان يدرس في “الأزهر” وحين كان طالبا في “السوربون”، وما رآه من فروق كبيرة بين المؤسستين التقليدية والحديثة في أساليب التدريس وفنونه، فذكر لنا طرفا مما كان يعانيه من ديكتاتورية مشايخ الأزهر المستكبرين على الطلبة، وتسلطهم المطلق على حياتهم ورغباتهم واتجاهاتهم، وكان طه نابغة متفوقا وصاحب قدرات ومواهب، وعقل متوقّد وحسّ نقدي لاذع، ولكن كان لديه جنوح إلى التمرد على التقاليد الدينية والأخلاقية المحافظة، وكان الشيوخ يضيقون به ذرعا ويتحرّجون من تدخّله، ونقده وأسئلته الملحّة على معرفة الحقائق كما هي، وليست كما كان يريدها الشيوخ.
وقد أبدى تذمّره من أساليبهم العقيمة في التدريس، إذ توارد إلى علمه من بعض الأساتذة الوافدين من الجامعات الغربية، أساليبهم الشيّقة في فنون التدريس الحديثة، وقبولهم النقاش والحوار وإبداء الرأي بكل أريحية وحرية، وكان يحرج بعض الشيوخ، ممن ألفوا الطريقة التقليدية التي جعلتهم دكتاتوريين سلطويين في أقسامهم، يَسألون ولا يُسألون عما يفعلون، وكأنهم جنرالات في ثكنات، ملتزمين بالصرامة العسكرية التي لها قوانينها وقواعدها بحكم طبيعتها الوظيفية، التي تختلف عن المدرسة والحياة المدنية، حيث إن الخدمة العسكرية من قواعدها السمع والطاعة من غير نقاش، حتى ينشأ الجندي على الالتزام بالانضباط والصرامة في الخدمة والسلم والحرب.
وكان الشيوخ حينما يضايقهم طه بالأسئلة والنقد، يثورون عليه ويزجرونه بالسب والشتم والتقبيح، ويقولون له اسكت يا أعمى! أو أقبل يا أعم! وهذا الأسلوب في التجريح أخذوه مما كان شائعا به العمل في عهودهم، وهو من آثر الدراسات النفسية التقليدية، التي لم تكن تراعي مشاعر الطلبة وإحساساتهم وألمهم من السب والشتم والاحتقار والانتقاص من أقدارهم أمام زملائهم، ولو كان الشيوخ مُلمِّين بالبحوث النفسية والتربوية الحديثة ما فعلوا ذلك، وما ورّطوا أنفسهم في أفعال تأباها أصول التربية والنفس والتعليم، وما جرحوا مشاعر ذلك الطالب المتشوِّق للمعرفة والحقيقة، وهو في الأصل كان يعاني من قسوة آلام تلك العاهة المستديمة، التي حرمته نعمة البصر والنظر إلى الأشياء، وجعلته يشقى بها طوال حياته.
وهذه الصورة الخاطئة، في تشخيص نفسيات الأطفال والمتعلمين وخصائصهم العقلية، هي ما جعل أجيال السلف والخلف ممن تأثروا بهذه الفلسفة، في التربية والنظرة الدونية إلى المتعلمين، تشجّع على بروز النزعة الديكتاتورية في الممارسات السلطوية، سواء أكانت هذه السلطة سلطة أخلاقية كسلطة الوالدين والكبار على الصغار، أو كانت سلطة سياسية كسلطة المسؤولين في دوائر الحكم، فهي من غرس في نفوسهم هذه النزعة التسلطية، وجعلهم ينزعون إلى إشباع غرائزهم التسلطية في ممارسة وظائفهم، حينما كبروا ووجهوا إلى الحياة العملية وسوق العمل، ومارسوا وظائف المسؤوليات في الدوائر الحكومية وأجهزة الدولة وهيآتها المختلفة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!