-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ظهر الفساد… وغاب المفسدون…

عبد الرزاق قسوم
  • 5635
  • 23
ظهر الفساد… وغاب المفسدون…

في جزائر العزّة والكرامة، التي وهبها الله ما وهبها، من شتى أنواع النِّعم، من خضرة الدِمن إلى أغلى كنوز الأرض، ما ظهر منها وما بطن.

 إنّ هذه الجزائر ابتلاها الله _أيضًا- بأراذل الناس، فهم يعيثون فيها فسادًا، يجعلون نماءها كسادًا، وأيام يسرها شِدادًا، جاعلين الأعداء في سيادتها واقتصادها أسيادًا.

في بلادي الجزائر، الأبيّة الطاهرة، المطَهّرة بدماء شهدائها، والفَتِيّة المخضرة العقول بوعي علمائها، ها هي تُبتلى في إدارتها، فتُختَرَق حدودها، وتُنتَهك بنودها، وتُدجن أسودها. عجبت للمعادلة المعكوسة في بلادي؛ حيث يتعفف الصغير الفقير، ويتلصص المترف الكبير، فيقدِّم الأوّل ـ للجميع ـ درسًا في النزاهة والوطنية، ويغدو الثاني نموذجًا سيئًا في الخيانة والمركوبية.

إنّ ما يعبق به جوّنا، من تلوث مادي ومعنوي، وما تثيره صحافتنا من خيانة للذمم في التسيير، وعمالة في الاقتصاد والتبذير، ليُطرح أكثر من سؤال حول ضبابية المستقبل، وسوء المصير.

فحين هجم العنف علينا من الجبل، والجوّ، والبرّ والبحر، قلنا هي أيام، وليال، وشهور، وسِنين عجاف سوف يمّكننا الله من تجاوزها بالوعي، والصبر، ووحدة الصف. وحينما ابتلينا بمحنة السطو على المنازل، والاعتداء على الأفراد، وسرقة السيارات، تسلينا أيضًا بأنّ هذا عمل مراهقين، رفضتهم المدارس أو لفظتهم السّجون أو قسا عليهم المجتمع، فهم ينتقمون بطريقتهم الخاصّة من النظام الذي لم يوّفر لهم الحضن الدافئ، والغذاء الكافي، والمناخ الصافي…

لكن ما الحيلة إذا كان الذي يسرقنا يسكن في أعلى عليّين، ويتحكّم في رقاب المواطنين، ويملك القصور ذات الشمال، وذات اليمين؟.

وكيف يتّم كلّ هذا في وضح النّهار، وعبر العديد من السنين؟ وما هو التفسير المقنع الذي نقنع به أنفسنا، إذا كان الفساد يطال أكبر المؤسسات – في وطننا- ذات الشفافية في زجاج عماراتها، والرّقابة المشّددة في التوظيف ضمن إداراتها؟ فأين المحاكم؟ وأين الحاكم؟.

لقد ظهر الفساد -إذن- وغاب المفسدون، وما كنّا لنكشف أمره، لولا بعض الأجانب الذين صحت ضمائرهم، فاعترفوا بذنبهم، بما قدموا من رشاوى، وما أفسدوا من ذمم جزائرية لصالح أوطانهم على حساب وطننا. فلماذا وجد هؤلاء الأجانب في إيطاليا وغيرها هذه القابلية لدى المسيِّرين عندنا، والحال أنّهم؛ أي مسيِّرونا يتمتعون بالمنصب الوثير، والجاه الوفير، والمرتب الغزير؟.

إنّ القضية لا تحتاج إلى عملية حسابية، ولا إلى معادلة رياضية. لقد أجاب عنها المواطن الجزائري بعفويته، وصدق طويته؛ إنّ القضية تعود في أصلها إلى المحسوبية في التعيين، وعدم مراعاة النزاهة والكفاءة، والوطنية في التمكين. بل إنّهم يزيدون على ذلك بأنّ زَيفَ الانتماء، وازدواجية الولاء، والكفر بأصالة الأجداد والآباء، هو الذي يكمن خلف هذه الذبذبة في الشعور وفقد الاباء.

وقبل هذا، وبعد هذا، فك القرآن وهو دستورنا الأوحد، فك هذه العقدة، حين أمرنا بقوله: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ).

وبين المواطن الجزائري الحكيم، والدستور القرآني العظيم يقف الشاعر العربي المعاصر “أحمد مطر” ليقدم لنا وصفة معاصرة، في قصيدته الموسومة بـ”زمان الجاهلية” فيقول:

في زمان الجاهلية

كانت الأصنام من تمر

وإن جاع العباد

فلهم من جثة المعبود زاد

وبعصر المدنية

صارت الأصنام تأتينا من الغرب

ولكن بثياب عربية

تعبد الله على حرف وتدعو للجهاد

وتسب الوثنية

وإذا ما استفحلت تأكل خيرات البلاد

وتُحلّي بالعباد

رحم الله زمان الجاهلية

هكذا نحن، في عصر الفساد والمفسدين، لا يكتفي المفسدون بأكل خيرات المؤسسة على ما فيها من ترف وبذخ، ومزايا وامتيازات، بل صاروا يأكلون البلاد والعباد باسم الوطنية وخطط التنمية.

فيا قومنا! لئن ظهر الفساد في مؤسساتنا، وغاب الفاعلون المفسدون دون وازع أو رقيب، ودون محاكم أو حسيب، لئن تمّ كلّ هذا، وفينا مجاهدون صامدون، وعلماء مجاهدون، ومواطنون نزهاء ثابتون، إنّا _إذن- لمفلسون، ومتواطئون، وخاسرون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
23
  • مواطن

    نعم يأستاذ كل ما قلته وما لم تقله صحيح، ولكن ألم تقرأ قوله تعالى : " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يعقلون" الفساد يشترك فيه الحاكم والمحكوم فماذا فعل هذا الأخير فالمواطن أصبح يكرس سياسة (تخطيني وأخلاص ) يرى السارق يسرق في جاره وفي الشارع ولا يحرك ساكنا ، ويتعذر بأعذار أقبح من ذنب ، فالكل متواطئء في رأيي . وشكرا

  • سيف الحق

    لبسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين خلق اللوح والقلم وخلق الخلق من عدم واللهم صلي على نبينامحمد صاحب الكتاب الابقى والقلب الانقى اما بعد السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    ...شكرا لكم استاذنا المحترم والموقر بارك الله فيكم ياشيخ وانت عالم من علماء الجزائر الطاهرة لقد وضعت يدك على جرح كل جزائري غيور على وطنه أصبحنا نرى ونسمع عن قضايا الفساد بدون اي ردع من طرف الدولة ضد المفسدين أنا مواطن من بلدية أولادصابر ولاية سطيف والفساد الحاصل بهذه البلدية لم ولن تتصواره سوء تسيير بأتم المعنى

  • noni

    اظن يا استاذنا الفاضل ان الفاس قد وقع على الراس ضاع الوطن وخاب الظن في جزائر العزة والكرامة التي نادى بها الزمارون والقوم اللاهون اه لمستقبل مرعب مظلم ...يا لطيف

  • ماقت المصريين

    أستاذنا الفاضل مقالك معدن نفيس و أسلوبك ذائب اللجين هكذا كونوا أو لا تكونوا يا كتاب المقال.

  • سامي الجزائري

    شكرا لك أستادي الكريم إن لهذا المقال وقع على القلوب وفتح في جدار الفساد ثقوب ووصف لواقع مقلوب وصدح للحق بسجع محبوب ودمت راع وملهم ومنيرا للتائهين في الدروب.

  • هشام من قالمة

    بارك الله فيك أستاذنا الفاضل و نفع الله بك الأمة و أيقظ بك الضمائر ان شاء الله و الله ان دور جمعية العلماء المسلمين لهو أكبر و يشبه كثير الدور الذي لعبته أيام الاستدمار الفرنسي في توعية الامة بالخطر الذي يحيط بها فأرجوا أن تكثفوا من كتاباتكم أستاذي و كل علماء الجمعية
    بارك الله فيكم و جعلكم ذخرا لهذه الامة

  • بدون اسم

    بارك الله فيك كلام و تحليل في الصميم
    و أقول لك يا أستاذ بعد تشخيص الداء فالدواء آت لا محال لا تحزن و لا تقنط فدوام الحال من المحال .

    الشعب الجزائري صبور و صبور لكن لا أحد يتوقع وقت نفاذ صبره و أنا شخصيا أخاف منه عندما يغضب و ينفجر فهو مجنون بكل المقاييس

  • مسكين

    شكرا على هدا المقال براك الله فيك، ولكن الشعب ييد النوم

  • عبد الغني

    لقد بلغ السيل الزبا ان الاوان لعلماءنا و خطباءنا و مدرسينا و اصحاب الضمائرالحية و القلوب السليمة و الايادي النظيفة ان يواجهوا هدا المرض الخبيث الدي ينخر جسم الجزائر التي ضحى من اجلها الاطهار ليعبث بها الشرار المفسدون هدا حرام

  • د/الاخضر عزي

    شكرا لاستاذنا الفاضل على هذا التحليل الراقي، والغريب انه في بلادي يمكنك الكلام عن الفساد ولكن اذا ما اشرت الى المفسدين فلن يغفر لك من يتدثرون بلباس الاصلاح والشفافية. وصاحب التعليق رقم03 اكثر من حكيم ؛لان غضب الله سيقع علينا طالمنا اصبحنا نسير بعقلية**عنز ولو طار**. وفي الجامعات المفترض ان تكون قنوات تنوير تحولت عقلية الشكارة والبقارة الى منطق يقوم بتجسيره اشباه المثقفين ومنتحلي الشخصية... والريعla rente الكامن وراء الفساد ليس الا مقوما ومرتكزا من مرتكزات الفساد بشتى صوره فهو الذي قتل الابداع

  • omar

    إنّ القضية تعود في أصلها إلى المحسوبية في التعيين، وعدم مراعاة النزاهة والكفاءة، والوطنية في التمكين. بل إنّهم يزيدون على ذلك بأنّ زَيفَ الانتماء، وازدواجية الولاء، والكفر بأصالة الأجداد والآباء، هذا هو بيت القصيد والامر مبيت بليل وليس محض صدف ولن ينتهي الامر حتى ننتهي او نبدل تبديلا.

  • يماني مبريك

    مااروعك لاتكفي وحدها مقال مثل هذا يؤخذ ماخذ الجد مثلما اخذت رسالة ابن الخطاب الامير رضي الله عنه للحاكم وللمحكوم للفاسد وللصالح للاول كنصيحة لاولي الامر وللثاني كوازع من السقوط المردي في المهالك وللثالث كلجام عن الفساد وللرابع كدليل للخيرات والله يجزي او يجازي من احسن عملا ارجو من القبادة العليا في الجزائر ان تقرب منها امثال هذا الرجل العظيم تجعله كناصح امين وشكرا

  • بدون اسم

    الفساد لابد ان يدرج فى باب الخيانة وهو اخطر من الخيانة بعينها لان الخائن على الاقل لايهدم وطنه بيده كما يفعل الفاسد

  • كلمه حق

    اصاب بالياس و الحزن على ما وصلت اليه بلادنا في العشرية الاخيرة عشرية الحهوية المقيتة.
    ولكن عندما اقرا مواضيع مثل هذه يرجع الي ا لامل واتاكد بان هناك رجال في الجزائرية باتم معنى الكلمة مثل استاذنا الفاضل قسوم رجال في القمة و لكنهم مغيبون لاننا في زمن {الرويبضة}.

  • flash

    السلام عليكم
    يا ريت تلقى كلماتك يا سيدي أذانا صاغية وعقولا واعية وقلوبا حية و يعلم هـذا الشعب الأبي أن لا خلاص له إلا بإزالة الورم الخبيث.
    و نطلب بإلحاح على ان ترجع الجمعية إلى مهمتها النبيلة ,الوعي و الاصلاح وتقف ضد ظلم الطبقة المستبدة

  • مريم

    شكرا ياسيدي المحترم
    انهاكلمات مدوية يندى لها الجبين
    لكن هل يعيها المسؤولون الذين تمادو في نهب وسلب المواطنين في بلد العزة والكرامة
    دعهم في لهوهم فان عذابهم قادم ولو الى حين

  • alger

    استفادة الداي حسن باشا بعده، من الرخاء الناجم عن المداخيل المالية الهامة- بفضل تصدير الحبوب- لدعم وتنويع العتاد الضروري لأسطول القرصنة.الوضع الدولي الناجم عن الحروب الأوربية - بدءا بحملة نابليون - فضلا عن معاهدات الهدنة المبرمة مع اسبانيا والبرتغال وانجلترا ففي سنة 1793 مثلا غنم الرايس حميدو خلال شهر ونصف (8 أكتوبر - 23 نوفمبر) 15 سفينة منها 11 سفينة تجارية.وحسب شهادة الشيخ أحمد الشريف الزهار أن سنة 1813 كانت حافلة،

  • alger

    الرايس حميدو استشهد وهو غاضبا !
    كان الرايس حميدو بن علي (الجزائري) من أشهر رياس البحر، واستمر عهده أكثر من 20 سنة. وقد برز وتعاظم شأنهخاصة ما بين 1793 و 1815 سنة استشهاده في السواحل الاسبانية ويفسر لنا الأستاذ المنور مروش ظروف بروز ونجاح هذ القائد الكبير ، بعدد من العوامل الداخلية والخارجية نذكر منها الإصلاحات التي قام بها الداي محمد بن عثمان (1766 - 1792) على مستوى الهياكل السياسية والعسكرية بما في ذلك المنشآت البحرية.استفادة الداي حسن باشا بعده، من الرخاء الناجم عن المداخيل المالية الهامة-

  • محمدakwa viva

    السلام عليكم ياشيخنا الفاضل حديث يثلج الصدر و يدمي القلب على من وكلوا بنا حسبنا الله ونعم الوكيل

  • ابراهيم بن الشهيد

    ** السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    ...شكرا لكم استاذنا المحترم والموقر بارك الله فيكم ياشيخ وانتم عالم من علماء الجزائر الطاهرة ...الجزائر المنورة منورة بدماء شهدائها الابرار وبمجاهديها الاحرار والاخيار برككم الله على هذا المقال الراقي والشافي ..اللهم اجعله في ميزان حسناتكم لانه ينهي عن المنكر والفساد والمفسدين.

    نعم ايها الشيخ المحترم وانتم رئيسا لجمعية العماء الجزائريين ..الخائن الفاسد – اللص- المُخرب لوطنه يظهر ولو بعد حين..وايامه قصيرة باذن الله تعالى..وسيحاسبون على افعلهم

  • حفوظ المحفوظ

    "عجبت للمعادلة المعكوسة في بلادي؛ حيث يتعفف الصغير الفقير، ويتلصص المترف الكبير، فيقدِّم الأوّل ـ للجميع ـ درسًا في النزاهة والوطنية، ويغدو الثاني نموذجًا سيئًا في الخيانة والمركوبية." ،والله لقد وفيت وكفيت يا رئيس العلماء،جزاك الله عنا كل خير
    "فهل ينظرون إلا الساعة فقد جاء اشراطها.."
    أعتقد أن الثورة التي ستقوم في الجزائر هذه المرة ستأتي في شكل سخط سماوي، وربي يلطف برك!!!

  • اسحاق

    ظهر الفساد فى البر و البحر - الجزائر- اما المفسدون فلهم حساب يوم العرض.

  • KADDOUR

    1- ما اروعك