جواهر
الأبناء يشترطون عدم الإنجاب والآباء يرتبطون في السر

عائلات تحّرم على “شيوخها” الزواج بسبب الميراث

جواهر الشروق
  • 15713
  • 0
الأنترنت
كاركاتير معبر عن الظاهرة

حرب الأبناء والآباء الأرامل لا نهاية لها، إلى درجة تكاد تتصدّر مثل هذه القضايا جدول الجنح المعالجة عبر محاكم الوطن. فبين رفض كثير من الأبناء فكرة إعادة والدهم الزواج بثانية أو إجباره على الزواج بكبيرة في السن، وتمسك الشيخ بحقه في زوجة، ولو كانت صغيرة سيكون أفضل… تتفكك أسر كثيرة وتشتعل حرب انتقام لا نهاية لها، لا يهدئها حتى القضاء. فالأبناء خائفون على ضياع التركة، والوالد حوّل أبناءه إلى أعداء….

كثيرة هي الأسر الجزائرية التي تفككت بسبب فكرة إعادة الشيخ الزواج بعد وفاة زوجته الأولى. فأبناء العائلات الميسورة يرفضون وبشدة أعادة والدهم تجربة الزواج، أو يفرضون عليه امرأة كبيرة في السّن، وإن كانوا يبررون موقفهم، بأن المرأة الكبيرة أحصن وآمن لوالدهم “الشيخ”، لكن تخوفهم الأكبر هو من مزاحمة “وافد جديد” في تركتهم في حالة تزوج والدهم بامرأة قادرة على الإنجاب. ولأن كثيرا من الشيوخ يفضلون صغيرة السّن تبدأ المشاكل… فالأبناء يتمسكون بموقفهم حتى لو وصل الأمر إلى عقوق الوالد، والأخير ينتقم بالزواج من صغيرة واختلاق المشاكل.

شيخ في 65 ارتبط بثلاثينية وطرد ابنيْه من المنزل بعد إنجابه

من هذه القصص قضية وصل صداها إلى محكمة حسين داي بالعاصمة. بدأت وقائعها، حسبما أخبرنا المحامي بمجلس قضاء الجزائر، عمر مهدي، عندما قرّر شيخ أرمل من العاصمة، في 65 من عمره، إعادة الزواج. يقطن في شقة واسعة مع ابنه المتزوج وآخر أعزب، في 23 من عمره. ولأن الشيخ أراد الارتباط بشابة في الثلاثين من عمرها، رفض الشابان الموضوع، طالبيْن منه الزواج بامرأة تناسبه في السن… فبدأت المشاكل… الشيخ وبتحريض من زوجة المستقبل بدأ في اختلاق المشاكل لابنه المتزوج. ولأن الأخير مسبوق قضائيا، أودع ضده والده شكوى بتهمة ضرب الأصول، حيث أدين الابن بـ6 أشهر حبسا نافذا، من محكمة حسين داي، لكنه نال البراءة بعد استئنافه في الحكم أمام مجلس قضاء الجزائر. وبازدياد حدة المشاكل بين الطرفين حمَل الابن الأكبر زوجته وابنه وغادر المنزل… وجاءت زوجة أبيه الشابة. وبدأت في استفزاز الشاب الأعزب، 23 سنة.. وانتهى الأمر بينهما باتهامها له بالتحرش بها، فهجر بدوره المنزل إلى مكان مجهول. وبقيت الشقة للشيخ وزوجته ومولودهما الجديد…!!

تزوج سرا وأنجب طفلا ليُكشف الأمر بعد وفاته

وشيوخ آخرون، عندما تفشل محاولاتهم في إقناع أبنائهم بفكرة زواجهم، يرتبطون سرا. ففي قضية عالجتها محكمة حسين داي، تفاجأ 4 أشقاء عندما همّوا بتقسيم تركة والدهم، بظهور سيدة مع ابنها، مؤكدة أنها تزوجت والدهم المتوفى عرفيا. وأحضرت معها شهودا. الأبناء لم يصدقوها ورفعوا قضية إثبات نسب ضد الطفل. والمفاجأة أن تحليل “الأ دي، ان” أكد نسب الطفل إلى والدهم. فأصبح شريكا في التركة. وهو الموضوع الذي لم يتقبله الأشقاء ولا تزال القضية في أروقة المحاكم.

 ولدى العائلات المتوسطة، التي لا صراع فيها على التركة، ترفض خاصة البنات فكرة زواج والدهن بأخرى، ويعتبرن زوجة الأب “شرّا” قادما إلى المنزل قد يقيد حريتهن، ولا يسمحن لوالدهن بالارتباط إلا بعد مغادرتهن نحو بيت الزوجية. فيعيش الوالد الممنوع من حقه الطبيعي حالة نفسية غير مستقرة، تؤثر على تصرفاته داخل المنزل وخارجه، فيعيش مهملا حتى في ظل وجود أبنائه حوله، لأن احتياجاته، خاصة إذا كان مريضا لا تستطيع تلبيتها إلا زوجة. قصة سردتها لنا سيدة متزوجة من العاصمة، احتارت في طريقة لإقناع شقيقاتها العازبات بفكرة تزويج والدهن الأرمل، تقول: “هن يرفضن بشدة ودون أي تبرير مقنع زواج والدنا، ومع ذلك يهملنه، فوجدت نفسي مجبرة على رعايته رغم ارتباطاتي بين العمل والأبناء والزوج”.

لأنه أراد الزواج أولاد يحجرون على والدهم بالتزوير ويسلبونه شقته

وسرد علينا المحامي قصة شيخ أسّسه في قضيته، فالشيخ البالغ 75 سنة من عمره ميسور الحال، عرض على أبنائه فكرة إعادة الزواج من ثانية في الثلاثين من عمرها، معللا الأمر بأن زوجته “العجوز” صارت تهمله ولا تهتم لأمره… أبناؤه رفضوا الفكرة، بل أكثر من ذلك لجأوا إلى عملية الحجر عليه، وهو في كامل قواه العقلية، مدعين معاناته من اضطراب نفسي، واستولوا على شقته. الوالد توجه إلى العدالة، رافعا شكوى ضد أولاده بتهمة التزوير واستعمال المزور. وبعدما أكد الخبير الثاني الذي عينته المحكمة أن الشيخ في كامل قواه العقلية، أدانت محكمة حسين داي الأولاد بـ 6 أشهر حبسا موقوف النفاذ، تم تأييدها بمجلس قضاء الجزائر. والقضية الآن على مستوى المحكمة العليا. وانتهت القضية بانفصال العائلة… الأبناء يعيشون مع والدتهم، فيما تزوج الشيخ شابة وأنجب طفلا.

رفضوا تزويجه فاستنجد بمركز الشيخوخة….

وشيخ في 70 معاق حركيا، حمل ملابسه متوجها إلى مركز شيخوخة بالإسعاف، ولما سئل عن السبب، ردّ: “أولادي منعوني من الزواج، وأنا أريد تحصين نفسي، وأريد الزواج والبقاء بمركز الشيخوخة”، والمركز اتصل بأولاد الشيخ، أين تبين أنه شيخ ميسور ماديا، وله شقة باسمه استحوذ عليها ابنه المتزوج، ورفض تزويجه ويهمله، مركز الشيخوخة أودع شكوى ضد الابن لدى محكمة الحراش، عن تهمة سب وشتم الوالد.

منعوه من الزواج ثم اتهموه بالتحرش بنسائهم…

وقصية عالجتها محكمة بئر مراد رايس، بطلها شيخ في 68 من عمره، اتهمته والدة “كنته” بالتحرش عليها وسبها وشتمها، عندما جاءت لزيارة ابنتها التي تقطن معه في المسكن العائلي، وجواب الشيخ في المحكمة كان غريبا وطريفا، حيث قال للقاضي: “أولادي الأربعة وزوجاتهم، يرفضون كل امرأة تقدمت لخطبتها، وكل واحدة وجدوا لها أعذارا، واكتشفت أن والدة كنّتي هي من تحرض ابني بعدم تزويجي، فطردتها من منزلي….” وختم قائلا: “… لا يريدون تزويجي ثم يتهمونني بالتحرش…!!”

وحسب المحامي عمر مهدي، الأولاد أحيانا لهم كامل الحق في منع والدهم من الزواج من شابة صغيرة، قد تتحول مستقبلا إلى “حجرة في الصباط”، وتثير المشاكل بالمنزل، ويضيف: “سبق أن جاءتني إلى المكتب شابة في 35 من عمرها تشكو تصرفات أبناء الشخص الذي تنوي الزواج به، وهو شيخ في 75 من عمره، ومن كثرة ما سلبت الشيخ من أموال… أنا أشفقت عليه، فالشيخ اشترى لها سيارة، ثم طلبت منه كتابة عقد الفيلا التي يقطن فيها مع أولاده باسمها…!!”

 

رئيسة جمعية الشيخوخة المسعفة “إحسان”، سعاد شيخي:

نستنكر ظاهرة زواج الشيخ بشابة صغيرة

وفي الموضوع، أكدت رئيس الجمعية الوطنية للشيخوخة المسعفة “إحسان”، سعاد شيخي، أن كثيرا من الأسر الجزائرية لا تعارض فكرة زواج الوالد الأرمل، حيث قالت: “كثير من الأبناء يقصدون مقر الجمعية للبحث عن امرأة مناسبة في السن، تقبل الزواج بوالدهم، فنساعدهم في ذلك”، واستنكرت محدثتنا ظاهرة منع بعض الأولاد أبائهم من أعادة الزواج ” …الزّواج حق طبيعي وشرعي للصغير والكبير، بل أن الشيخ يحتاج لرفيقة في الحياة تسهر على أموره الخاصة، أكثر من الشاب الصغير”، ولكن حسب قولها ” هذا لا يعني أن يتزوج الشيخ شابة صغيرة، ويحضرها لمنزله للعيش بين أبنائه وزوجاتهم، ويقوم حتى بطرد أبنائه من المنزل ليخلو له الجو ويُنجب مجددا…نحن نحارب هذه الظاهرة المنتشرة في المجتمع”. وناشدت محدثتنا المسنين بالتعقل واختيار زوجة تكون في سن معقولة ويا حبذا أن لا تكون قادرة على الأنجاب، تكمل معه مشوار الحياة، ط لا أن يتسبب زواجه في تفكك شمل عائلته، وختمت قولها ”  ربي يهدي بعض الشيوخ….الشيخ سبق له أن عاش حياته وشبابه، فلم يريد مزاحمة أبنائه بعد بلوغه سن السبعين بالزواج من صغيرة”.

 

أستاذ علم الاجتماع، حنطابلي يوسف:

زواج الأب قد يلغي رمزية صورة الأم في ذهن أبنائها

فسّر أستاذ علم الاجتماع بجامعة البليدة، يوسف حنطابلي، سلوك رفض بعض الأبناء تزويج أبائهم، بأن الأمر لدى البعض مرتبط بما تشكله رمزية الأم لدى الأبناء خاصة القصر، فيعتبرون قدوم غريبة لتحل مكان والدتهم، هو أضرار بصورة الوالدة وطرد لروحها من المنزل، فهم لا يرون أمهم المتوفاة إلا من خلال علاقتها بوالدهم ولا يتقبّلون أي صورة أخرى، والعكس أيضا، حيث لايمكن أن يمتزج في ذهن الابن صورة الأب دون أن تكون صورة الأم حاضرة.

أما لدى الأبناء الراشدين، فيمكن أن يطغى التفكير المادي على أبناء العائلات الميسورة، فيعتبرون زواج والدهم بامرأة جديدة، سبب لحرمانهم من جزء من الميراث، فيؤثر الأمر على سلوكهم ويتحوّلون لأعداء للوالد.

 

إمام مسجد الفتح بالشراقة محمد الأمين ناصري:

منع الأباء والأمهات من الزواج عقوق ومخالف للدين

حذر أمام مسجد الفتح بالشراقة، محمد الأمين ناصري، من سلوك منع الأولاد تزويج أبائهم، وحسبه ” من الناحية الشرعية، لا يجوز أبدا أن نمنع الشيخ الأرمل وحتى السيدة الأرملة أو المطلقة من إعادة الزواج، إذا كان الشخص في كامل قواه العقلية.. ويعتبر السلوك عقوقا للوالدين، حيث لا بد على الأبناء أعفاف أبائهم”. ووصف الأمام، مثل هؤلاء الأبناء، بضعيفي الأيمان والانانيون. وأكد الأمام أن الشيخ اذا كان قادرا وصحيحا بامكانه الزواج من صغيرة، تسهر على راحته وترعاه، أحسن من كبيرة السن،وعلى أبنائه احترامها. لكن في حالة، كانت هذه المراة الصغيرة تريد استغلال الشيخ والأستيلاء على ماله، فعلى أبنائه التحري من الأمر وعدم التسرع في الحكم عليها.

وناشد محدثنا، الأبناء بعدم حرمان أوليائهم سواء كانت والدة أو والدا من أعادة الزواج، لأن في ذلك تحصين وأعفاف لهم وقضاء لمصالحهم، “كثير من العجائز في سن بين 60 و80 يُمنعن من الذهاب إلى الحج والعمرة لأنهن أرامل، وتعشن متحسرات على ضياع فرصة رؤية بيت الله الحرام”.

 

المحامي بمجلس قضاء الجزائر عمر مهدي:

غالبية قضايا الأصول المطروحة عبر المحاكم قضايا كيدية

أكد المحامي عمر مهدي، أن غالبية قضايا الأصول المطروحة عبر المحاكم تكون كيدية، فكثير من الشيوخ لا يتقبلون فكرة إعادة الزواج مع امرأة كبيرة في السن مثلما يريد أبناءهم، فحلمهم تجديد شبابهم، مع شابات عازبات أو مطلقات، واللواتي أصبحن يتقبّلن فكرة الاقتران بشيخ طمعا في المال أو هربا من لقب “عانس”. فيلجأ الشيخ لطرق احتيالية، حيث يدّعي تعرضه للضرب أو الشتم من أبنائه، تمهيدا لطردهم من المنزل إذا كانوا يقطنون معه. وبدورهم يحتال الأبناء لثني والدهم عن الزواج، خاصة إذا كان ميسورا ماديا، فيلجأون بدورهم للأحتيال، وحسب المحامي ” يلجأ الأولاد لعملية الحجر على أبائهم لغرض الاستيلاء على أمواله قبل مجيء الزوجة الثانية، فيرفعون قضية لدى قاضي شؤون الأسرة بالمحكمة، بعد تعيين خبير يصرح كذبا أن والدهم غير سوي عقليا…بإمكانهم شراء ذمة طبيب، والعملية نفسها في عقود الهبة، حيث يجعل الأبناء والدهم الكبير في السن يمضي على وثيقة هبة لعقار أو شيء أخر لأبنائه دون علمه، مؤكدين أنه كان في كامل قواه العقلية، ويأخذون الوثيقة عند الموثق لاستخراج العقود”.

مقالات ذات صلة