-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عارُنا في غزة

حسين لقرع
  • 442
  • 1
عارُنا في غزة

تشعر الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم كلّهم بالعجز والهوان والعار وهم يتابعون يوميا صور أطفال غزة وهم يبحثون يائسين عن لقمة تسدّ جوعهم، من دون أن يتمكّنوا من إغاثتهم، لأن الاحتلال الصهيوني الإجرامي لا يسمح سوى بدخول نحو 85 شاحنة غذاء يوميا إلى القطاع، مقابل 500 شاحنة قبل بداية الحرب، كما أنه يقصف سفن الصيد، ويجرف البساتين والمزارع، لمنع الفلسطينيين من العثور على أيّ مصدر طعام، وقادةُ هذه الدول لا يتحرّكون بفعالية ولا يمارسون ضغوطا كافية لإدخال المزيد من شاحنات الغذاء وإغاثة الفلسطينيين.

ما رأيناه إلى حدّ الساعة من صورٍ في بعض الفضائيات العربية ومواقع تواصل فلسطينية يندى له الجبين؛ رضّع يموتون جوعا بسبب انعدام الحليب، وأطفال يلتقطون بطاطا فاسدة من المزابل لأكلها، غير مكترثين بما ستسبّبه لهم من تسمّمات غذائية وأمراض، وأرباب عائلات يعترفون بهروبهم من بيوتهم منذ أيام حتى لا يقابلوا أطفالهم الجائعين الذين يسألونهم عن الطعام في كل وقت ولا يستطيعون تلبية طلبهم، ومئات الشّبان يتزاحمون على شاحنة دقيق ويتخاطفونها بينهم.. ولا شكّ أنّ ما خفي أدهى وأمرّ وأقسى على النفوس، لكنّ القليل الذي وصل كاف لأخذ فكرة عن الجوع المزمن الذي يعصف بسكان القطاع منذ أسابيع، ثم تحوّل بمرور الوقت إلى مجاعة حقيقية بعد أن نفد الدقيق ومختلف أنواع الطعام، وحتى أعلاف الحيوانات التي لجأت إليها العائلات في وقتٍ سابق لسدّ جوع أطفالها.. اليوم بدأ السكان يموتون جوعا، وإذا لم يستيقظ ضمير المجتمع الدولي ويضغط على الاحتلال لإدخال المزيد من الشاحنات، فسيموت العشرات يوميا وستتكرّر صور الموت من المجاعة التي كنا نراها في بعض البلدان الإفريقية في الثمانينيات الآن في غزة، برغم أنّها محاطة ببلدان عربية وإسلامية كثيرة! أليس هذا عارًا لن يُمحى من جبين قادتها؟ هل يعقل أن لا يجتمع قادة دول منظمة التعاون الإسلامي من أجل البحث عن حل عاجل لهذه المأساة الخطيرة ويكتفوا بتحميل الغرب المسؤولية؟

لو حدث هذا الأمر لأيّ مدينة أوكرانية محاصرة، لعقد قادة الغرب جميعا قمّة عاجلة، ولما أنهوها قبل أن يتوصّلوا إلى حلول عملية لكيفية إدخال الغذاء الكافي إلى سكانها، ولمارسوا ضغوطا هائلة ومستمرة على روسيا لفكّ حصارها، لكنّ ما دامت هذه المأساة الإنسانية تحدث في غزة، فإنّ الدول الإسلامية لا تجتمع، أما الغرب، فهو لا يكترث بها لأنّ غزة عربية مسلمة وليست منطقة أوروبية محاصرة، ويكتفي بإدانات محتشمة للاحتلال لحفظ ماء الوجه، وكذا تهدئة شعوبها التي بدأت تصعّد مظاهراتها ضد جرائم الاحتلال، فضلا عن ترطيب خواطر القادة العرب والمسلمين الذين يتصلون بها مستنجدين.. الغرب يندّد ظاهريا، أما في الواقع، فهو متواطئ مع الاحتلال في استعمال التجويع الممنهج سلاحا فتّاكا لإجبار سكان القطاع على اللجوء إلى مصر، ومن ثمّة، إنقاذ الكيان الذي صنعه بيديه وأصبح وجوده مهدّدا بعد غزوة 7 أكتوبر المباركة.

من المؤلم حقا أن نرى صور نحو ألفي شاحنة أغذية ومساعدات شتى تتكدّس على امتداد كيلومترات أمام معبر رفح، ولا يسمح لها بالدخول، وربّما تعفّنت الكثير من الأطعمة التي تحملها، في حين يتضوّر 2.3 مليون فلسطيني جوعا، وكأنّ الاحتلال يريد أن يقول لهم: إذا كنتم تريدون أن تسدّوا جوعكم، فاخرجوا إلى الجانب المصري من رفح، فهناك ألفا شاحنة بانتظاركم، ولا تعودوا بعدها إلى غزة…

المفارقة أنّ مصر لا تستطيع فتح معبر رفح لدخول شاحنات الغذاء من دون موافقة الاحتلال، بذريعة أنّه سيقصفها، ولكنّها ترسل طائراتها العسكرية لتلقي مساعدات لأهل القطاع ولا تتعرّض لأيّ صاروخ أرض – جو صهيوني، فكيف تقصف الشاحنات إذا دخلت بلا تنسيق مع الاحتلال ولا تسقط طائرات الإغاثة؟

طيلة 17 سنة، ضرب الاحتلال حصارا جهنّميا على غزة، وجوّع أهلها، وحبسهم في أكبر سجن مفتوح في العالم، وكان من أهمّ أهدافه كسر إرادتهم وتنفيرهم من المقاومة وتأليبهم عليها، لكنّ هذه الجريمة التي مورست تحت بصر العالم وسمعه لم تزِدهم إلا تمسّكا بالمقاومة؛ فتضاعفت أعداد الملتحقين بها للانتقام من هذا الاحتلال الذي يحاصرهم ويشنّ عليهم حروبا بين الفينة والأخرى لتدمير بيوتهم ومنشآتهم المدنية، لذلك، نقول باختصار إن جريمة التجويع الممنهج التي يعتمدها الاحتلال اليوم، بتواطؤ حقير من أمريكا والغرب، سترتدّ عليه حتما، وما يزرعه العدو الآن من ريح، سيحصد عاصفته المدمرة بعد سنوات قليلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • صالح عوض

    انت ايها الحر الحر.. انت من جبلة نادرة.. ياصاحب المباديء والمواقف الشريفة ايها المرابط دوما على ثغر فلسطين حفظ الله