الرأي

عجبا! حتى “الصُّهيبُ” سبَّني…

عبد الرزاق قسوم
  • 6910
  • 30

أطل علينا، من بعيد، بعيد، وبعد غياب طويل، طويل، أطل علينا “مفتي مرسيليا” سابقا، و”مستشار” مسجد باريس، حاليا. إنه خريج المعهد الوطني العالي لأصول الدين، وسليل جمعية العلماء، ابن العالم الجليل، الشيخ عباس بن الشيخ الحسين أحد أساطين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

كنا ننتظر، زيارة الشيخ صهيب، وأمثاله من أبناء علماء الجمعية، بأن يأتي جمعية العلماء من أبوابها، فيزورنا في مقرها، يشد أزرنا، ويبارك جهدنا، وينخرط في صفنا، ليواصل معنا جهادنا. ولكن ما راعنا، إلا وأنه قد أتى “البيوت من ظهورها”، وبدل أن يدخل من أبواب مقرها، وأعمدة صحفها، فيسخر علمه لبصائرها، وصحفها، ووعظه في نواديها وشُعبها، في مختلف دوائرها، ها هو يطل علينا من صحيفة، عرفت بعدائها لنا، هي صحيفة  “لصوار دالجيري”، فيكيل لنا من التهم الجزافية والفردية، ظلما وبهتانا، ما لا نستحقه.

كنا نوّد أن لا يكون الشيخ صهيب، بهذا المستوى من الجهل، بواقع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فيقف في الشاطئ الأيسر، عكس الجميع، لينكر على جمعية العلماء، عودتها إلى الساحة، ويلعن بذلك ذكرى أبيه شيخ العلماء، وأخيه الشيخ أحمد حماني، وأخي أخيه الشيخ عبد الرحمن شيبان، رحمة الله على الجميع.

كان الأمل معقودا، على الشيخ صهيب أن يدعمنا في الدفاع “عن دين باباه” على لغة أخينا الظريف الشيخ محمد الهادي الحسني، فذلك إرث يتحمل هو وغيره من الذين تربوا في أحضان الجمعية وتغدوا بدرها، ولبنها، مسؤولية نشره والحفاظ عليه. وإذا بالشيخ “صهيب” يخوض مع الخائضين، فيصب جام غضبه علينا، وما ذنبنا إلا أننا حافظنا على الجمعية من الضياع، وإرثها من الانقراض.

أئذا نهضنا، لنعلن الوفاء للعلماء الأصلاء، فنحيي فكرهم، ونعلي ذكرهم، رجمنا بكل شاردة وواردة من مفتي مرسيليا، سليل جمعية العلماء سابقا؟

وماذا ينقم منا، مستشار مسجد باريس، إلا أن آمنا، بمبدإ الإمام عبد الحميد بن باديس، والإمام الإبراهيمي، والشيخ العربي التبسي، والشيخ عباس بن الشيخ الحسين وأمثالهم من الوطنيين العلماء الأصلاء؟

ألا يخجل “الشيخ صهيب” عندما يلغي ذاكرة أبيه، فيعيب علينا، أننا “طغمة” استولت على إرث جمعية العلماء، واحتكرت اسمها.

لقد أبان، ابن الشيخ عباس، عن جهل فظيع بحقيقة الجمعية، ماضيا وحاضرا، فعلماء الجمعية، في عهدها الأول، كان يكال لها ما يشبه هذه التهم، من عملاء الاستعمار وأذنابه، وتلك أمة قد خلت، ولا تسألون عما كانوا يعملون.

وبالرغم من أن التاريخ، في القاعدة العلمية، لا يعيد نفسه، إلا أن الشيخ صهيب يأبى إلا أن يخرق القاعدة، فيمثل مخلبا، لقط جبان لا يكشف عن نفسه، ويبيّن عن جهل فاضح بالواقع.

فلو أنصف، المتحدث، الواقع، ولو لم يكن مفصولا عن هذا الواقع، لأدرك أن جمعية العلماء، قد عادت إلى الظهور في عهد التعددية، على أيدي ثلة من العلماء الأوفياء من أمثال شيوخنا، أحمد حماني، وعلي المغربي، ومحمد الصالح رمضان، وعبد الرحمن شيبان، وعمار مطاطلة، وابراهيم مزهودي، ومحمد الأكحل شرفاء، وغيرهم، ممن لا يشكك أحد في عراقة نسبهم للجمعية.

ومند عودتها، ظلت الجمعية، تلتزم بمبادئ القانون المعمول به في دولتنا المستقلة مستلهمة، من مبادئ الجمعية، كل مبادئها، وقيمها، وما تتطلبه من شجاعة في الجهر بالحق، والتصدي لكل ما هو باطل.

فالمسؤولية، في الجمعية، تمارس، بكل شفافية ووضوح، في انتخابات نزيهة، يشرف عليها المحضرون القانونيون، دون لبس أو غموض، ونعتقد أن الشيخ عباس رحمه الله لو كان حيا، لما وسعه إلا الانخراط في الجمعية، التي ساهم في تأسيسها، ويسعد في قبره، بإحيائها، وازدهارها.

يعيب علينا الشيخ صهيب، أننا إيمانا منا، بواجب النصح، وهاجس الإصلاح وجهنا نداء إلى الأمة، وإلى قاضي البلاد ننبه فيه إلى ما يحاك ضد بلدنا من مؤامرات على حدوده، وعلى وجوده.

كما يعيب علينا، أن دققنا ناقوس الخطر ضد محاولة إلغاء لغتها الفصحى، لغة القرآن الكريم والدستور، وتقزيم اللغات في لغة واحدة، وإلغاء الشكل في كتابة النصوص العربية، والقضاء على النصوص العربية الأصيلة العريقة تحت غطاء “الجزأرة” المظلومة، فإذا تصدينا لهذه المخاطر، اتهمنا بالتعصب، والانحراف عن الشيخ ابن باديس، مهندس التربية والتعليم في الجزائر، فأين التربية من التعليم اليوم في الجزائر.

كما يعيب علينا، أصحاب الاتجاه المعاكس أننا وقفنا ضد اتفاقية “سيداو” التي تهدد الحدود، وتوشك أن تنسف الوجود، لأسرتنا الجزائرية المسلمة، وما نأسف له أن ينخرط في هذا الطابور ابن الشيخ عباس، مفتي مرسيليا، الذي سبق وأن طالب في مؤتمر حزبي سياسي سابق، وفي “زردة” القديس اغسطين، بإسقاط الولي من الزواج، ووصفه للحجاب، بأنه “مجرد خرقة من القماش”un chiffon  

أبهذا يكون الوفاء للآباء، والعلماء والأصلاء؟

وثالثة الأثافي أن ينزل سليل جمعية العلماء، فينم عن جهل آخر، ليعلن بأنه يعرف رئيس جمعية العلماء، كاتب السطور معرفة جيّدة، “فيتهمه” بأنه أرسل بأبنائه إلى الغرب ليتكونوا، ومنهم من يكتب بالإنجليزية “كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا” سورة الكهف الآية (05).

ولو كان الشيخ صهيب عالما بالحقيقة، لأدرك أن أبنائي بعثت بهم الحكومة الجزائرية إلى الغرب لتفوقهم في جامعة باب الزوار، وأنني أنا شخصيا أعطيت منحة للغرب، وما ذلك بالعيب.

ثم هل وجد مفتي مرسيليا في ندائنا إلى الأمة أو في كتاباتي الخاصة ما يفهم منه أنني ضد اللغات الأجنبية؟ معاذ الله ! إنني ضد الاحتكار الذي اتهمنا به، الاحتكار الذي يختزل الثقافة الأجنبية في لغة واحدة.

إننا نرثي حقا، لابننا صهيب، وما كنا نود أن ينزل إلى هذا المستوى من الإسفاف، والهجوم بالنيابة عن خصم جبان اتخذه مخلبا ولكن ما الحيلة إذا كان صهيب قد قبل أن يمثل هذا الدور ويصدق عليه قول الشاعر:

وإخوان حسبتهم دروعا     فكانوها ولكن للأعادي

وخلتهم سهاما صائبات    فكانوها ولكن في فؤادي

وقول الشاعر:

أعلمه الرماية كل يوم     فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي     فلما قال قافية هجاني       

مقالات ذات صلة