الرأي

عذرا.. أيتها البقرة الحلوب!

جمال لعلامي
  • 2857
  • 0

الكثير من الفزع تسلّل إلى نفوس آلاف الجزائريين، نتيجة تفاقم اجراءات شدّ الأحزمة وربط السراويل كردّة فعل مباشرة، حتى وإن كانت بالتقسيط المملّ، لانهيار أسعار البترول ومعها قيمة الدينار.

بعض الأصوات من المتخوّفين بدأت تقدّم اقتراحات “استئصالية”، منها ما يصلّ إلى حدّ العودة إلى تسريح العمال والموظفين، خاصة في القطاعات غير المنتجة، وكذا مراجعة شبكة الأجور، طبعا هذه المرّة من الأعلى إلى الأسفل، وليس العكس!

مثل هذه الخيارات التي يراها البعض بأنها “انتحارية”، قد تكون في سياق “آخر العلاج الكي”، علما أن صندوق الأفامي نصح الحكومة مؤخرا بوقف “السوسيال” ورفع الدعم عن المواد الاستهلاكية!

بطبيعة الحال، نظرة الأغلبية المسحوقة لهذا الصندوق، تبقى سلبية ودونية، فهو من نصح خلال التسعينيات الحكومة آنذاك بتسريح العمال وخوصصة المؤسسات العمومية وبيعها وغلق أسواق الفلاح، ونصح بعدها بعدم الزيادة في رواتب المستخدمين!

بالمقابل، ترى “الأهداف السهلة” التي قد تـُستهدف بمقصلة التقشف، أن مخارج النجدة تكمن كذلك، في زبر أجور كبار المسؤولين من وزراء وولاة ونواب ومديرين عامين، في سياق امتصاص الخسائر الناتجة عن سقوط بورصة النفط والعملة الوطنية معا!

الآن، وفي ظل هكذا سيناريوهات سوداء، والتفكير في تجاوز الخطوط الحمراء، من باب تخفيف تداعيات الأزمة المالية ووقف نزيف الخسائر الناجمة عن تراجع المداخيل واستمرار نفس النفقات العمومية، تـُطرح استفسارات جدّية عن المنافذ الاضطرارية التي بوسعها تحجيم فاتورة الخسارة!

قديما قالوا: خسارة الصوف ولا خسارة الخروف، لكن أيّ صوف لأيّ خروف؟ في وقت لم نحسبها جيّدا، وظلت الحكومات المتعاقبة تتكلّ فقط وحصريا على عصى “الحاسي”، وها هي “البقرة الحلوب” في خطر، ليس بسبب جفاف ضرعها، مثلما كان يتنبّأ به المختصون، ولكن لأن حليبها ولبنها و”رايبها” وحتى زبدتها لم تعد مدرّة للأموال التي تغطي حاجة هؤلاء وأولئك!

لقد فشلت الحكومات منذ عشرات السنين، في اختراع وابتكار البديل الذي بإمكانه ضمان مدخول سلس، وظلّ البترول هو المورد الوحيد والأوحد، فمن الطبيعي إذن أن نـُرمى الآن إلى نفق الهلع الاقتصادي والفزع المالي، في ظل أزمة “عالمية” لن ترحم ربائبها!

المصيبة، أن الوقت ليس في صالح التفكير والتشاور، فقد وقع الفأس على الرأس، أو يكاد، والعياذ بالله، ومن الطبيعي ها هنا أن يتمّ اللجوء إلى تدابير من نار، بما لا يفرّق بين “المصلـّي وتارك الصلاة”!  

مقالات ذات صلة