-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عذرا يا أهل غزة… وعي بعضنا قد تخرب

بشير مصيطفى
  • 4668
  • 0
عذرا يا أهل غزة… وعي بعضنا قد تخرب

تناقلت وسائل الإعلام مؤخرا ما وقع لأسرة جزائرية نزحت من غزة الى الجزائر هروبا من جحيم العدوان وهي ممزقة بين أطفال وأمهم نجحوا جميعا في العبور الى قارب النجاة من موت محقق وزوج بقي معلقا ولا أحد يدري إن ظل حيا أم عبر الى الشهادة.

  • والذي وقع لهذه الأسرة في بلدها الأول لا بد وأنه أبكى من علم به بكاء لا يقابله سوى بكاء الملايين على أطفال غزة ونسائها. ولنتصور أن امرأة تحمل نفسية الناجي من القنابل الفوسفورية وأطفالا امتزج خيالهم بصور الدمار الرهيب يجدون أنفسهم في معاناة أخرى تبدأ من المطار وتنتهي في المجهول، وتفاصيل ذلك قد يتخيلها أي جزائري ذاق معاملة الإدارة واكتوى برنين الخطابات عندما لا يتبعها عمل. وما حدث للأسرة الجزائرية النازحة من نار الحرب الى نار المعاناة صورة مصغرة لما قد يحدث لبرنامج الإعمار ولمساعدات الإغاثة عندما تطغى الخطابات على النوايا الطيبة وتسرق الممارسات الشرف من المبادئ النبيلة.
  •  
  • الإستثمار في المآسي
  • عندما سرقت بعض المسيرات الشعبية لمناصرة اهلنا في غزة نبل المشاعر من أهلها لتتحول الى ساحات للشغب والتنفيس عن ضغط لم يجد له متنفسا اعتبرنا ذلك حالات استثنائية أبطالها مراهقون غير مسؤولين. وعندما استثمرت جهات كثيرة في مأساة غزة لتحقق نقاطا سياسية أو إعلامية في أجواء يطبعها الجمود السياسي لم نكترث لذلك على خلفية القراءة الإيجابية للنوايا، إذ المهم هو خدمة جبهة الممانعة في الخارج والمقاومة في الداخل، واعتبرنا كل جهد تبادر اليه الطبقتان السياسية والمدنية مشكورا. ولكن أن تتقاعس الممارسات عن ترجمة الخطاب العظيم المفعم بمشاعر النصرة والتضامن الى حلول مشرفة للجزائر على خارطة التضامن الإنساني ففي ذلك خيبة أخرى من خيبات الوطن العربي الكبير. ماذا كان يضر الإدارة لو أنها وفرت للنازحين من غزة الى الجزائر جوا يواسي جراحاتهم في مستوى كرامة كل عائلة غير تأكيد الخطاب الرسمي المتضامن مع أهل غزة؟ وماذا ربحت الإدارة من حالة اللا مبالاة التي أصيبت بها العائلات النازحة من غزة الى الجزائر خارج الديكور السياسي الذي يشبه الى حد بعيد الديكور الذي ترتديه الولايات عند زيارة مسؤول كبير لها؟
  •     مفارقة بين الخطاب والممارسة لا تختلف كثيرا أو قليلا عن مفارقات كثيرة يلمسها كل مواطن في حياته اليومية في جل القطاعات ذات الطابع الإجتماعي حين يتعلق الأمر بتنفيذ القرارات أو تطبيق المبادئ.
  •  
  • هذا الوعي المخرب
  •    دعت جهة رسمية الى تخصيص ربع زكاة المواطنين لإغاثة أهلنا في غزة فقامت قيامة البعض وقالوا هذا لا يجوز لأنها قد لا تصل الى مستحقيها ولأن جامعها جهة حكومية. وأطلقت قمة الكويت الاقتصادية صندوقا لإعمار غزة فاختلف أصحاب القضية فيمن له الحق في إدارة هذا الصندوق، وبدأت معركة أخرى ولكن هذه المرة معركة البيانات حول موضوع “الثقة” و”الفساد”. وجمعت الدول المساعدات لأهل غزة فبدأت سريعا عملية تصنيف الجهات الخيرية والبنوك بين من هو أهل لاستيلام تلك الإعانات ومن هو غير ذلك. وتلك مأساتنا نحن العرب إذ لم يعد وعينا المخرب قادرا على وضع الأولويات أو الفصل بين ما هو سياسي يرفع جهة ويخفض أخرى وما هو انساني خيري ينفع الجميع. وأصبح الجميع يلتقي عند الخطاب ويفترق عند الممارسة، وبات الكل مجمعا على دعم المقاومة، دحر الاحتلال ومواساة جراح المظلومين، ولكن قل من حسب خسائر أهلنا في غزة من فتور الهمة عندما يتعلق الأمر بعمليات تنفذ في وقت سريع وبالكيفية اللازمة والنجاعة الملموسة.
  • وفي الطرف الآخر من المعادلة يتضح الوعي المنظم لدى العدو وحلفائه وكيف سارع أنصار إسرائيل الى تطبيق الاتفاق الأمريكي -الإسرائيلي بشأن منع تهريب السلاح الى غزة، تطبيق لم يترك وقتا للمناقشة والتشاور بل جاء في سياق عملي أشبه بالعمل العسكري ذاته. متى يدرك العرب أن زمن الخطابات قد ولى وأن العبرة بالخطوات المدروسة الدالة على نظام في التفكير وصدق في النوايا؟
  •  
  • يا ليتني بقيت هناك
  •   وعندما تطغى الخطابات على خطوات التنفيذ تتضاءل المسؤولية ويموت الإحساس، تصبح حالة العائلة الجزائرية التي نزحت من غزة الى بلدها كي تتسول الدواء لابنتها المريضة وترجو الناس ثمن تذكرة للوصول الى مدينتها أعطوها أو منعوها، وتترك بيتها المهدم في غزة لتجد نفسها بلا مأوى في بلدها، تصبح هذه الحالة نتيجة منطقية لا نتوقع غيرها. وعندما تتكلم ربة هذه الأسرة وتقول “يا ليتني بقيت تحت القصف هناك في غزة” فهي اللعنة على الشعارات واللعنة على الوعود واللعنة على إدارة لا تملك رؤية متكاملة لمعنى التضامن وإغاثة اللهفان.
  •      ولو ترك الأمر للشعوب تصنع مجتمعا مدنيا أهليا قويا ومبادرا لكانت الصورة غير هذه الصورة والحال غير هذه الحال ولالتقت الممارسة بالمبدأ ولاقتف العمل أثر الشعار. كلنا تابع عبر الإعلام كيف انتفض البريطانيون أمام تلفزيون الـ “بي بي سي” عندما امتنع هذا الأخير عن بث نداء خيري لصالح سكان غزة وكيف تم الاعتصام عند باب مبنى “بوش هاوص” في لندن تعبيرا واحتجاجا. فإذا كانت هذه الصورة عن نداء لم يبث في قناة لها مطلق الحرية في أن تفعل ذلك أو لا تفعله فكيف يكون الحال اذا لجأت اليهم عائلة بريطانية من غزة لا يزال العالم يتابع مأساتها منذ أكثر من شهر.
  •  
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!