الرأي

“عرس بغل”!

جمال لعلامي
  • 1574
  • 2
ح.م

ظاهرة “إجرامية” كلما عاد رمضان، عادت وبقوة وبأشكال مفضوحة، تتمثل في تسويق السموم “الجيفة” واللحوم الفاسدة، ولم تعد لحوم الحمير والبغال -وما خفي أعظم- فعلا غريبا أو عجيبا، فقد “والف” المستهلكون مثل هذه التجاوزات غير القانونية ولا أخلاقية، وهي في الحقيقة، دليل آخر على تفشي ما لم يكن موجودا في المجتمع الجزائري حتى في “عام البو”!
تذكّرت بأثر رجعي رواية “عرس بغل”، وحوّرت معناها قليلا، وألبستها عنوة حكايات إرغام الجزائريين على أكل لحم البغال في رمضان، ولكم أن تتصوّروا هذا “البنو آدم” الذي يبيع لحما فاسدا أو مشبوها أو مكروها، لمستهلكين، يأكلون ما لا يرون وما لا يعلمون، وهو بذلك، كمن يشرع في القتل، إن مات الضحية والعياذ بالله، “أطفرت فيه”، وإن نجا فأجره على الله!
القضية لم تعد مرتبطة أساسا بتفعيل آليات المراقبة وقمع الغش، ولا بالحساب والعقاب، ولا بالتحايل على قانون العرض والطلب، ولا بفنون النصب والاحتيال، وإنما الموضوع أصبح ممسوكا بانتحار الأخلاق في دواخل هؤلاء الذين ماتت ضمائرهم وأصبحوا يبحثون عن الربح بكلّ الطرق ولو بقتل الناس باللحوم الحمراء والبيضاء التي تتحوّل إلى زرقاء!
نعم، من يقتل الأبرياء بالسموم واللحوم ويستهدف بطونهم في شهر الرحمة والغفران بكلّ أنواع “الرهج”، لا يختلف في المضمون عن من يقتل العزل بسلاح أبيض أو ناري أو غيرها من وسائل القتل، ولذلك فهو يستحق الإعدام في ساحة عمومية حتى يكون عبرة لغيره، من القتلة والمجرمين، الذين يستبيحون دماء وحياة الضحايا جهارا نهارا أو سرّا!
الكثير من المشاهد والصور والفيديوهات، الصادقة وذات المصداقية، حتى لا نظلم البعض بدلائل مفبركة، تكشف إلى أن يثبت العكس تفشي “الإجرام الآخر” لدى الكثير من الانتهازيين والطماعين، فهل يُعقل مثلا أن تذبح الذبائح في المراحيض؟ وهل يُعقل أن يتم نقل قفف رمضان في شاحنات الزبالة؟ وهل يعقل أن تـُطهى المأكولات السريعة في أواني يأكلها الصدأ؟
هي كلها خروقات يُندى لها الجبين، ولا صلة لها بفضائل رمضان، وغيره من الأشهر الميلادية والهجرية، والمصيبة أن مثل هذه التصرفات الصادرة عن جزائريين مسلمين، لا يرتكبها ربما حتى خارجين عن الدين والملة، فماذا حصل في مجتمعنا، حتى يتورط الأخ في قتل أخيه، بشتى الطرق، بدافع مادي، سيجعله إن آجلا أم عاجلا من النادمين؟
مصيبة المصائب أن استنساخ عبث وخداع “عرس بغل”، أصبح فعلا متعدّيا، إلى هؤلاء وأولئك، وإلى المذكر والمؤنث، ومن الفرد إلى الجماعة، وهذه وحدها تكفي لدقّ ناقوس الخطر قبل أن يُصيبنا جميعا الفيروس!

مقالات ذات صلة