-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عقدة الإنجليزية في الجزائر

عقدة الإنجليزية في الجزائر

لم يحدث أن تصدّت النّخبة في أي بلد آخر للدّفاع عن لغة المستعمِر كما يحدث في الجزائر منذ عقود، فرغم المحاولات الحثيثة التي بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي للانفتاح على لغة العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والسّياحة، إلّا أنّ الخوف على الفرنسية يدفع الكثير من النافذين وغير النافذين إلى التّصدي للتحول نحو اعتماد الانجليزية لغة أجنية أولى في الجزائر، بشتى الطّرق والأساليب بما فيها الطرق غير المشروعة، وهو بالذات ما حدث لوزير التربية الأسبق علي بن محمد في جوان 1992 حين تمّ تسريب أسئلة البكالوريا لوقف مشروعه ودفعه نحو الاستقالة.
لقد كانت الملاحظات التي سجِّلت على مشروع تعزيز اللّغة الانجليزية في التّعليم العالي هي أنّ المشروع متسرّعٌ وغير مدروس، كما أنّه تناول المعادلة التّعليمية بالمقلوب، أي أنّ الصّواب هو البدء من المراحل التّعليمية الأولى، ثم الانتقال إلى المستويات الأعلى وصولا إلى التّعليم العالي، ورغم نتائج سبر الآراء التي نظمتها وزارة التعليم العالي كانت كلها في صالح قرار تعزيز الانجليزية، إلّا أن المشروع تم وقفه بطريقة غريبة فور ذهاب الوزير الأسبق للتعليم العالي الدكتور أحمد بوزيد!

لكن رغم توقف المشروع، إلّا أن الانجليزية واصلت امتدادها في مجال البحث العالي، خاصة في مجال النشر العلمي، فقد تحوَّل الكثير من الباحثين إلى النّشر باللّغة الانجليزية لما تتيحه هذه اللّغة من انتشار واسع في العالم، ولم يعُد الأمر منحصرا في ميادين العلوم والتكنولوجيا، إنما انتقل كذلك إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، إذ تشجع الكثير من المجلات العلمية النّشر بالانجليزية، فضلا على اعتماد أغلب الباحثين الذين ينشرون أبحاثهم باللغة العربية على الانجليزية لنشر ملخّصات بحوثهم.

القضية ليست أيديولوجية بقدر ما هي فرصة للانفتاح على العالم أكثر، والخروج من الدّائرة المغلقة التي وضعتنا فيها اللّغة الفرنسية، وهي دائرة يسعى الفرنسيون أنفسهم إلى الخروج منها لمواكبة التطور التكنولوجي والعلمي.

إنّ التحوّل إلى اللّغة الانجليزية أمرٌ واقع، وما فعلته وزارة التربية هو مواكبة هذا التحوّل الذي سبقها بسنوات، وتكفي جولة على مدارس اللّغات الخاصّة للوقوف على الإقبال الكبير لتلاميذ مختلف الأطوار لتعلّم الإنجليزية.

لقد رافق قرارَ اعتماد اللغة الانجليزية في الابتدائي موجةُ تهكّم وسخرية من فئة قليلة من الجزائريين، على أساس أنّ الخروج من دائرة التخلف ليس مربوطا باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو لغة أخرى، وأثيرت قضية كثافة اللّغات والدّروس عموما، ما يؤثر على عقل الطفل الذي لا يستوعب أربع لغات في وقتٍ واحد، لكن السّؤال المطروح: لماذا أثيرت هذه القضية الآن فقط بعد اعتماد اللغة الانجليزية؟

أمّا التّباكي على اللغة العربية من قبل البعض فهو أمرٌ محيِّر، لأن الانجليزية لم تشكل يوما تهديدا للغة العربية كما فعلت الفرنسية المفروضة في التعليم والإدارة والإعلام وحتى في الفضاءات العامة، فلماذا سكت هؤلاء كل هذه السنوات، وثاروا الآن فقط عندما أدخلت الانجليزية في الابتدائي؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!