-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عقدة الكولون مستمرّة! 

عقدة الكولون مستمرّة! 

رغم مرور 61 سنة على استقلال الجزائر، إلّا أن عقدة الكولون لدى بعض الفرنسيين لا زالت قائمة، ولا زال عددٌ من السّياسيين والدبلوماسيين الفرنسيين لا ينظرون إلى الجزائر إلا من منظور ذلك البلد الذي احتلته فرنسا مدة 132 سنة ونهبت خيراته وأبادت شعبه وأغرقته في أوحال الجهل والأمية. ولا زالت أصوات بعض الدبلوماسيين والسياسيين ترتفع بضرورة التعامل مع الجزائر المستقلة وفق النظرة الأبوية التي تعتقد بأن الجزائر ستبقى دوما مرتبطة بفرنسا، وأنه لا وجود لعلاقات نِدِّية بين البلدين تكون المصالح فيها مشتركة وليست حكرا على الطرف الفرنسي.

قبل سنوات ادّعى المؤرخ الفرنسي “جون سيفيا” أنّ الجزائر كانت أرضا خالية من أهلها يوم نزل جيشُ الاحتلال الفرنسي على السواحل الغربية للعاصمة في جويلية 1830، وقال في كتاب له بعنوان “الحقائق الخفية للحرب الجزائرية” “Les vérités cachées de la guerre d’Algérie” إنّ “مصطلح الجزائر بحد ذاته ابتكارٌ فرنسيٌ.

ظهر لأوّل مرة في عهد لويس فيليب عام 1838”. وهي الفكرة ذاتها التي روجت لها المدرسة التاريخية الفرنسية التي تحاول نفي وجود الأمة الجزائرية، ومن هنا جاءت سقطة ماكرون في أكتوبر 2021 التي أثنى عليها السفيرُ الفرنسي السابق بالجزائر “كزافيي دريانكور”.

هذا الدبلوماسيُّ المتقاعد الذي لم يستوعب فكرة وجود علاقات مبنية على النِّدِّية بين الجزائر وفرنسا، واعتبر الخطوات التي يقوم بها الرئيسُ الفرنسي في موضوع الذاكرة “خطأ كبيرا”، وهو كلامٌ متوقع من رجل لا يستطيع التفكير خارج الدّائرة التي رسمتها المدرسة التاريخية الاستعمارية التي تدّعي أن الجزائر كانت دائماً أرض استعمار من الفينيقيين والرومان والعرب والأتراك والإسبان وغيرهم، وأن الفترة الاستعمارية تمثل حلقة واحدة من سلسلة طويلة من الاحتلالات الأجنبية، ذلك أنه في أدبيات المدرسة التاريخية الاستعمارية أنّ المرحلة العثمانية كانت “استعمارًا تركيًّا”، وما قبلها كان “استعمارا عربيًّا”!

إنّ الإطار العامّ الذي حدّدته المدرسة التّاريخية الفرنسية، تحوَّل مع الوقت إلى منهج ثابت يحكم تفكير الفرنسيين ويؤطّر السّياسة العامّة للمؤسّسات الرّسمية الفرنسية، التي ترفض الاعتراف بالماضي الإجرامي للاستعمار الفرنسي في الجزائر، بل إنّ هذه المؤسسات تحاول في كل مرة الالتزام بالفكرة الأساسية للمدرسة الاستعمارية التي تشير إلى أن فرنسا جاءت لـ”تمدين” الشعب الجزائري و”إدخاله إلى الحضارة المعاصرة”، وأنّ هذا التاريخ هو “مدعاة للفخر” لا النّدم والاعتذار؛ ففي فيفري 2005 صادقت الجمعية الوطنية الفرنسية على قانون يمجّد الاستعمار، ويُلزم المؤسّساتِ التّربوية الفرنسية بأن تمتدح “الدّور الإيجابي” للوجود الفرنسي في ما وراء البحار، إذ جاء في مادته الأولى “تعرب الأمّة عن امتنانها للنّساء والرّجال الذين شاركوا في الأعمال التي أنجزتها فرنسا في المقاطعات الفرنسية السّابقة في الجزائر والمغرب وتونس والهند الصينية، وكذلك في الأراضي التي كانت تخضع سابقًا للسيادة الفرنسية”.

لذلك من الطبيعي أن يثير النّهجُ الجديد الذي بدأه ماكرون غضب بعض الدوائر الفرنسية التي ترفض فكرة إقامة علاقات نِدِّية مع الجزائر، وفوق ذلك يُفتح موضوعُ الذاكرة وتأسيس لجنة مشتركة لمعالجة القضايا التاريخية بين البلدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!