الشروق العربي
الأسطورة أحمد وهبي

عملاق رهن حنجرته للفن الوهراني الأصيل

صالح عزوز
  • 1958
  • 3
ح.م

كثيرة هي الأسماء، التي مرت على الساحة الفنية، وتركت بصمة واضحة، ورسمت طريقا لكل الأجيال، التي أتت من بعدها، اختلفت حناجرهم، لكنهم كانوا في خدمة الثقافة والفن الأصيل في بلادنا، وتنوعت مدارسهم، لكنها كانت تصب دائما في مشكاة واحدة، وهي الحفاظ على كل ما هو أصيل في الجزائر.. وجوه فنية بقيت تشع حتى من بعد انطفاء شموعها، التي كانت تضيء يوما ما قاعات الحفلات وركح المهرجانات في كل مكان، ولعل من بين الأسماء التي كان صداها مدويا إلى حد الساعة في الأغنية الوهرانية، الأسطورة أحمد وهبي، الذي نجلس إليه من خلال ركن أسماء من الذاكرة، ونخوض في مشواره على استحياء، فلا تكفي بعض الأسطر لحصر حياته الشخصية والفنية.

 هو أحمد دريش التيجاني، المعروف في الساحة الفنية بأحمد وهبي، من مواليد 1921 بمرسيليا في فرنسا، من أب جزائري وأم فرنسية إيطالية الأصل، شاءت الأقدار أن يفقد والدته وهو رضيع، فرضع بعدها من حنان بيت جده.. هو ابن الحي العريق المدينة الجديدة بوهران، تربى على صوت أبيه المؤذن، الذي كان يصدح في هذا الحي، لذا تولدت عنده ميزة الرزانة والحسن والهدوء، كانت بداية تأسيسه للظهور في هذا العالم من الكشافة الإسلامية، التي كانت المدرسة الأولى التي دغدغت حنجرته المميزة، التي كان يؤدي بها الأناشيد الوطنية، التي صقلت موهبته وعدلت أوتاره الصوتية، وأصبح متمرسا بعدها. وبالإضافة إلى هذا، فقد ارتكز على دعامة قوية وهي الشعر الملحون. كان عضوا في فرقة بلاوي الهواري، أحد العمالقة في مدينة وهران، احتك بعدها بأحد دعائم الأغنية الوهرانية، وهو عبد القادر الخالدي، وأصبح كاتب كلماته، ليصبح في ما بعد، أحد رواد الأغنية الوهرانية، وواحدا من صناعها، وأصبح اسما لامعا في الساحة الفنية الجزائرية.. كان مجتهدا، ومن أجل تطوير ملكاته الصوتية، انتقل إلى فرنسا للدراسة في معهد الموسيقى، سنة1947.

كان أداؤه، وعبقريته في الفن الأصيل، دعامة كبيرة في فرض نفسه في هذا المجال. استطاع أن يقدم للفن الجزائري والتراث رصيدا فينا معتبرا، لا يزال إلى حد الساعة مثل شلال يسقي كل من به ظمأ، وقدم لجيله وللجيل الذي أتى بعده، روائع تطرب الآذان، وتهذب الحس، جاءت في شكل كلمات رقيقة ممزوجة بألحان شجية، كان من بينها، “شهلة لعيون”، “سرج يا فارس اللطام” و”ما أطول ذا الليل كي طوال”، و”يامينة”، و”يا طويل الرڤبة”، و”علاش تلوموني”، التي كان صداها كبيرا، وتنافس عليها الكثير من الفنانين من أجل إعادتها، كل حسب حسه وتمكنه في الفن، على غرار ملك الراي الحالي، الشاب خالد، الذي أعادها على طريقته، وأبدع فيها هو كذلك، وليس هي فقط، بل كل ما قدمه للفن الأصيل الجزائري كان محل اهتمام كل الفنانين.

بعد هذا المشوار الفني والحضور والتميز، وافته المنية سنة 1993، تاركا وراءه خزانا فنيا، لم ولن ينفد، وسوف يبقى من بين الفنانين الجزائريين الذين كان عطاؤهم غزيرا، منذ أن وضع اللبنة الأولى في حصن الفن الأصيل. 

مقالات ذات صلة