الجزائر
فتيات‮ ‬يشتكين‮ ‬من‮ ‬قسوتهن‮ ‬وتسلّطهن

عندما‮ ‬تتحوّل‮ ‬الأمّهات‮ ‬إلى‮ ‬ضرائر؟‮!‬

الشروق أونلاين
  • 75941
  • 74

هل‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬تكره‮ ‬الأم‮ ‬ابنتها‮ ‬التي‮ ‬حملتها‮ ‬وهنًا‮ ‬على‮ ‬وهن؟‮! ‬وهل‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬يتحوّل‮ ‬الحبل‮ ‬السري‮ ‬الذي‮ ‬امتد‮ ‬بينهما‮ ‬لمدة‮ ‬تسعة‮ ‬أشهر‮ ‬إلى‮ ‬حبل‮ “‬غسيل‮” ‬ينشران‮ ‬عليه‮ ‬غسيلهما‮ ‬المتسخ‮ ‬أمام‮ ‬الناس؟‮! ‬

 

كل ذلك أصبح ممكنا، بل يكاد يتحوّل إلى ظاهرة في مجتمعاتنا العربية، خاصة بين الأمهات الشابات وبناتهن المراهقات، اللواتي فتحت لهن المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي صدرها ليروين قصصهن المؤثرة مع أمهات يصفهن بـ”الجائرات” و”المتسلطات”، اللواتي ماتت فيهن مشاعر الأمومة، غير أنّهن يتجنبن الحديث عن الأسباب الحقيقية التي جعلت علاقتهن بأمهاتهن تسوء إلى ذلك الحد الذي ضاعت معه مفاتيح الإصلاح بينهن. وهذه العينات التي التقطناها من الواقع ستكشف كيف انهارت أجمل علاقة في الوجود.

 

‮”‬مشكلتي‮ ‬هي‮ ‬أمي‮”!‬

كانت تجلس في ناحية وأمها في ناحية أخرى، وكل ما يجمعهما هو قاعة الانتظار في عيادة نفسية، الأم كانت ترتدي آخر صيحات الموضة والابنة ليست أقل منها أناقة، كانتا تتبادلان نظرات مشفّرة دون أن توجه الواحدة منهما كلمة للأخرى، فجأة دخل الممرض وطلب من الأم أن تدخل لوحدها، وبعد أقل من ساعة خرجت الأم ودخلت الابنة، ولا ندري ما الذي دار من حديث بين الفتاة والطبيب النفساني الذي اكتفى بالقول عندما سألناه: “إن الفتاة وأمها على درجة كبيرة من العداء، وتحضران إلى عيادته من أجل إعادة العلاقة الطبيعية إلى مكانها، علاقة الأم بابنتها. هذه الحالة هي واحدة من مئات الحالات لأمهات وبنات انقطع بينهن حبل الوصال والحب، وكأنّ بينهما ثأرا قديما يحاولان تصفيته، فكل واحدة تحاول أن تلقي اللوم وتكيل الاتهامات للأخرى، وبين هذا وذاك تتلاشى المعاني الحقيقية للأمومة.

 

أهي‮ ‬أمي‮ ‬أو‮ ‬زوجة‮ ‬أبي؟‮!‬

“لماذا تكرهني أمي”، “أهي أمي أم زوجة أبي؟!”. “أمي تغار مني”،”أحبها ولكنها تكرهني”. تحت هذه العناوين، نقرأ ونسمع قصصا مؤثرة وحزينة لفتيات يعتبرن أنفسهن مضطهدات من طرف أمهاتهن، ومن بين هؤلاء “مرام” فتاة في 19 من عمرها، تدرس بمركز للتكوين المهني بالجزائر، لم تعد لديها مشكلة في الحديث عن العلاقة السيئة بينها وبين أمها أمام الاقارب وحتى الأغراب، لأنها تعتقد أن أمها هي التي تسببت في جفاء العلاقة بينهما، حيث تقول: “مشكلتي هي أمي، فأنا لا أشعر أنها تحبني وأتوقع في أي يوم أن تخبرني أنني لست ابنتها، بل يتيمة تكفلت بتربيتها‮!”. ‬وتضيف‮: “‬تعاملني‮ ‬بقسوة‮ ‬وتحرمني‮ ‬من‮ ‬الحنان‮ ‬وتدعو‮ ‬لي‮ ‬بالموت‮ ‬وتفضل‮ ‬أخوتي‮ ‬عني،‮ ‬وقد‮ ‬توصل‮ ‬بها‮ ‬الأمر‮ ‬أن‮ ‬تقف‮ ‬مع‮ ‬الآخرين‮ ‬ضدي،‮ ‬وهل‮ ‬بعد‮ ‬هذا‮ ‬يقولون‮ ‬إنها‮ ‬أمي‮ ‬؟‮!”.‬

أما “ياسمين” الفتاة ذات الـ16 سنة، فتقول إن العلاقة بينها وبين أمها وصلت إلى طريق مسدود،  وليس هناك ما يدلّ على أن علاقتها مع أمها هي علاقة ابنة بابنتها فأمها – حسب ياسمين _ مريضة نفسيا، تختلق المشاكل لضربها وإهانتها حتى أمام الناس، الأمر الذي جعل الفتاة تتمرد على أمها ووصل بها الأمر إلى أن ترد على أمها بالضرب والكلام البذيء، “ليت أبي يتزوج عليها، إنها لا تستحق أن تكون أمًّا…”، هكذا قالت ياسمين في ختام كلامها إلينا، وهي تتوعد أن تهرب يوما من البيت، لأنها أصبحت لا تطيق تصرفات أمها.

 

صرخة‮ ‬ممرضة‮: “‬لا‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬أمي‮”!‬

“أمي تكرهني، لا أحد يستطيع أن يقنعني بغير ذلك..” هكذا بدأت “فيروز” ـ وهي ممرضة تجاوزت الأربعين من العمر دون أن تتزوج ـ كلامَها إلينا، حيث تعتبر أن أمها سبب ما أصابها من اضطرابات نفسية جعلتها تُعرض عن الزواج، “إنها تفضل أختي الصغرى علي، هي تمنحها الحنان وأنا تمنحني القسوة، هي تشتري لها ما كل ما ترغب فيه، وأنا لو استطاعت لمنعت عني الهواء، هذه “المرأة” لا يمكن أن تكون أمي”! فيروز فقدت أملها في أمها، وكرهت أختها الصغرى التي تعتبرها مساهمة في هذا الوضع، ولذلك قرّرت أن تعيش لنفسها فقط “لا أبالي إذا ماتت أمي أو أختي‮ ‬وكل‮ ‬عائلتي‮ ‬لأنني‮ ‬لا‮ ‬أشعر‮ ‬بحنانهم‮”. ‬

 

انعدام‮ ‬الثقافة‮ ‬التربوية‮ ‬

ما الذي يجعل العلاقة بين الفتاة وأمها تسوء إلى درجة تشيع معها مشاعر الكره، وربما الانتقام بين الطرفين؟ سؤال نقلناه للدكتور “حمادي.ر” مختص في الأمراض النفسية والعصبية، فقال: “مما لا شك فيه أن الأمومة هي فطرة فطر الله عليها المرأة، ولا أتصور أن هناك أمًّا تكره ابنتها وقد غرس الله فيها هذه البذرة، ولكن التربية الخاطئة التي تتلقاها الأم في طفولتها، والذكريات السيئة التي تختزنها، تؤثر بشكل كبير على علاقتها بابنتها، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فالأم التي عوملت بقسوة في مختلف مراحل عمرها، قد لا ننتظر منها أن تعامل ابنتها معاملة حسنة، إلا إذا حاولت القفز فوق كل هذه المراحل، حتى لا تنقل الخبرات السيئة لابنتها، هذا بالإضافة إلى أن هناك أمهات يفتقدن للثقافة التربوية الصحيحة التي تؤهلهن للتعامل مع بناتهن بشكل صحيح، ليس لأنهن أميّات، وإلا لما كانت أمهاتنا أنجح الأمهات في تربية‮ ‬الأبناء،‮ ‬وإنما‮ ‬لأن‮ ‬المرأة‮ ‬الحديثة،‮ ‬التي‮ ‬تخصّص‮ ‬وقتا‮ ‬كبيرا‮ ‬لمشاهدة‮ ‬التلفزيون‮ ‬والتحدث‮ ‬في‮ ‬الهاتف‮ ‬والتسوق،‮ ‬لم‮ ‬تعط‮ ‬لنفسها‮ ‬الوقت‮ ‬لتعلم‮ ‬بعض‮ ‬الأمور‮ ‬التربوية‮ ‬المفيدة‮”. ‬

وبالنسبة للفتاة، ما الذي يجعلها تعتقد أن أمها تكرهها؟ سألنا الدكتور “حمادي” فأجاب، “بالنسبة إلى هؤلاء الفتيات اللواتي يتّهمن أمهاتهن بالقسوة، إذا ركزنا في الأمر، فسنجد أن معظمهن مراهقات، ونحن نعرف أن المراهقة مرحلة لا تستقر فيها المشاعر، فتشعر الفتاة أنها منبوذة ومكروهة ومضطهدة، لمجرد أن الأم وجهت لها ملاحظة حول ثيابها أو طريقة كلامها، أو عاقبتها لأنها تأخرت في العودة إلى البيت، ولكن هذا لا يعني أن تترك الأم ابنتها عرضة لهذه المشاعر السلبية، بل عليها أن تحتويها وتشعرها أن كل ما تقوم به لمصلحتها”.

 

مقالات ذات صلة