-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما تتشبّع العقول المُقْعدة بما لم تُعط!

سلطان بركاني
  • 1089
  • 1
عندما تتشبّع العقول المُقْعدة بما لم تُعط!

رَوى لي صديق صحفي، أنّ مهنة المتاعب جمعته خلال فترة من الفترات بواحد من مثيري الشّغب والجدل هؤلاء المنسوبين إلى الفكر والتّنوير والحداثة في الجزائر! وكان ممّا أثار استغراب الصّديق واستهجان زملائه الصحفيين من أمر ذلك المتنوّر، أنّه وبينما كان جميع الصحفيين يخرجون يوم الجمعة في ساعة الظهيرة لأجل الصّلاة، كان ذلك “الهارب بفكره!” يمكث في مقرّ الجريدة، كأنّه غير معنيّ بنداء الجمعة الذي ربّما يرى إجابته علامة على التخلّف والرجعية!

أمثال هذا المستلب الذي نفخ فيه الشّيطان نفخة كبر فارغة، ما أن يقرأ الواحد منهم مقالة هنا أو هناك عن تدرّج الأوروبيين على مدارج التقدّم العلميّ بعد تخلّصهم من سطوة الكنيسة وانفكاكهم من كهنوت القساوسة، حتى ينقدح في عقله المقعد أنّ تجربة الأوروبيين هي الحلّ الأمثل لخروج الأمّة العربية والإسلامية من التخلّف الذي أوصلها إليه “رجال الدّين المسلمون”!، ويطلق المفرقعات في سماء جهله، جازما بأنّ السّبب الرّئيس في الواقع الذي تعيشه الأمّة هو إصرارها على إقحام الدين وثقافة الحلال والحرام في كلّ شيء! ويطلق العنان لأنامله الطائشة لتكتب: “الأمم تتنافس في غزو الفضاء ونحن لا نزال نتحدّث عن لباس المرأة وشروط الحجاب!..
الغرب يصنع بديلا طاقويا للشّمس ويبحث عن بديل لكوكب الأرض ونحن منشغلون بنواقض الوضوء والتيمّم”، ولا ينسى أن يختم كلماته بالمعزوفة المعروفة: “يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم” مع بعض القهقات التي يخيّل إليك أنّ صاحبها عندما ضنّ بوقته عن الحديث في نواقض الوضوء والحلال والحرام قد سخّره لمزاحمة الغربيين على طريق الفضاء أو النانوتكنولوجي، لكنّك عندما تسأل عن مستواه الدّراسيّ تجده من ضحايا التسرّب المدرسي والبطّالين الذين لا هم في العير ولا في النّفير، وربّما تعلم من حاله أنّه ينتظر مصروفه اليوميّ من أبيه أو أمّه أو ربّما من أخته العاملة!..

ومع إيغاله في الجهل المركّب وإصابته بداء الغرور تمتلئ نفسه بالهوى ويضيق صدره بكلّ ما له علاقة بالدّين أو التديّن، فما أن يرى ملتحيا كتب شيئا حتّى يسارع إلى الحكم عليه بأنّه مشعوذ أو درويش، وبحكم على كلامه بأنّه جهل وتخلّف! قبل أن يقرأ ما هو مكتوب؛ فعقله المقعد والمأزوم لا يستطيع أن يستوعب حقيقة أنّ المكتوب نتاج عقل وليس نتاج لحية أو شارب، وأنّ صاحب اللّحية ليس يعجزه أبدا أن يحلق لحيته وينضمّ إلى طابور البطّالين والفارغين، لأنّ هذا الطّابور لا يشترط فيمن يقف فيه أن يكون صاحب شهادة أو علم إنّما يكفيه أن يعلن التمرّد ويعادي الدّين والمتديّنين ويستهزئ بكلّ شيء.. بل ربّما مع شدّة سواد قلب هذا الفارغ بسبب الإعراض والغرور يصل إلى مرحلة الاستهزاء بالمصلّين الذين يحثّون الخطى يوميا إلى المساجد، ويرى في سعيهم الدؤوب سذاجة وبطالة، بل وينظر إلى خطب الجمعة على أنّها كلام لا يقدّم ولا يغيّر شيئا، وينظر إلى خطباء الجمعة على أنّهم جماعة من الجهلة الذين يعيشون في غير زمانهم!

هذا الصّنف من البشر يجد الشّيطان للواحد منهم مبرّرا لأحكامه الطائشة المعمّمة ببعض النماذج من الدّعاة الجاهلين والأئمّة أصحاب المستويات المتواضعة، فتجده ينشر كلماتهم منتشيا بأنّه ظفر بصيد ثمين، وقد ينسى أنّ جهالته أعمق من جهالاتهم وسوء فهمه للدّين وضحالة فهمه للحياة أشدّ من أولئك الذين يضحك منهم.. والمفارقة أنّ شيطانه لا يريه ولا يطلعه على كلمات وكتابات الدّعاة المفكّرين الذين يجمعون بين العلم والفهم والوعي، وما أكثرهم، ولا يوقفه على سير عشرات العلماء الباحثين الذين لم يغرهم تفوّقهم العلميّ بالبعد عن الدّين، بل إنّ منهم من يغبطهم عامّة النّاس على تمسّكهم بدينهم وشعائره، ومن هؤلاء مثلا لا حصرا العالم الجزائريّ البروفيسور كمال يوسف تومي الذي يزخر رصيده بأكثر من 150 بحثٍ في مجال التحكم والأنظمة الميكانيكية، فضلاً عن امتلاكه 9 براءات اختراع ومشاركته في أكثر من 120 مؤتمر لشركاتٍ وجامعاتٍ حول العالم، وإشرافه على تطوير نظامٍ روبوتيّ قادر على السباحة في الماء وآخر قادر على اكتشاف تسريب الأنابيب بدقة عالية، وعلى بحث آخر لتطوير آلية مجاهر القوى الذرية المُستخدمة لمسح البنى الدقيقة التي تصل أبعادها لرتبة النانومتر.. كلّ هذه الأبحاث التي تحتاج إلى وقت وتفرّغ وانقطاع لم تشغل البروفيسور عن وضع بصمته الخاصّة في الوفاء لدينه وقيمه، حيث عرف عنه حرصه على الصّلاة في المسجد، كما وفق لحفظ القرآن الكريم، واشتهر بقراءته الندية لكلام الله.

الفارغون الجالسون على قارعات الطّرق عندما يرى الواحد منهم امرأة تلبس حجابا واسعا، يسارع إلى الحكم عليها من دون تردّد بأنّها مكِنة ولادة وعاملة مطبخ، وجاهلة متخلّفة لا تملك أيّ مستوى علميّ ولا تفقه شيئا عن واقع الحياة فضلا عن أن يكون لها حظّ من العلم!.. عقله المقعد لا يستطيع أن يستوعب أنّ الحجاب لا يمكن أن يكون عائقا في طريق التطوّر والفهم والوعي، ومطالعاته الانتقائية -إن كانت له مطالعات!- لا توقفه على أسماء عشرات العالمات المسلمات المعاصرات اللاتي لم يمنعهنّ الحجاب من أن يكنّ باحثات في شتّى التخصّصات.. هذا الصّنف من الفارغين لا يعلم الواحد منهم أنّ في رحاب الغرب تدرّجت العالمة المخترعة السعودية المسلمة المحجّبة البروفيسورة سامية عبد الرحيم ميمني، جرّاحة المخ والأعصاب التي تمكنت من تحويل الجراحات المتخصصة الصعبة إلى جراحات بسيطة وسهلة بالتخدير الموضعي، وحصلت على عدد من براءات الاختراع في عدة مجالات طبية.. وتدرّجت سميرة إسلام البروفيسورة المسلمة المحجّبة الحاصلة على درجة الأستاذية في علم الأدوية، هذه العاملة التي قدمت بكلية طب “سانت ماري” في جامعة لندن بحثاً في مجال التصنيف الجيني يعتبر الأول من نوعه في المراجع العلمية المتخصصة..

وفي وكالة ناسا الأمريكية اعتزّت المهندسة المصرية تهاني عمر بحجابها، هذه العالمة التي حصلت على براءة اختراع يقيس مقدار التوصل الحراري للرقائق، له تطبيقات في الترانزستورات والطلاءات الضوئية وتحويل الطاقة الكهروحرارية.. وفي الغرب تشبّثت بحجابها عالمة سنغافورة المسلمة المتميّزة بروفيسورة الهندسة الكيميائية جاكي ينغ، واحدة من مؤسسي معهد الإلكترونيات والهندسة الحيوية وتكنولوجيا النانو، والعضو في مجالس تحرير 28 مجلة علمية عالمية…

بقي أن نقول أخيرا إنّ هذا الصّنف من الجهلة البطّالين مهما كثروا في زماننا هذا ووجدوا لهم مكانا في مواقع البطالة على الإنترنت، فإنّهم سيظلّون أصفارا على الشّمال، وأنّ سفاهتهم وجهالاتهم لن تزعج أحدا، ولن تؤخّر ساعيا إلى هدف نبيل يرصده، وحجارتهم التي يلقونها على طرق المصلحين والساعين إلى الصّلاح لن يتعثّر بها من كان له هدف واضح في هذه الحياة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عميس

    في دول الجهل يجب أن تكون جاهلا والا فالشتائم والتهديدات والبلطجة والاتهامات ........ ترافقك بل تطاردك والى الأبد .