الرأي

عندما تغرب شمس العرب من مشرقهم

حبيب راشدين
  • 1349
  • 11
أرشيف

مع أن الحدث كان يفترض أن يكون محض حدث رياضي عابر لخلافات سياسية مصطنعة، وربما كان سيوفر فرصة نادرة للخروج بموقف عربي متضامن، فإن التصويت على تنظيم كأس العالم 2026 قد عمَّق الشرخ المتنامي بين دول وشعوب العالم العربي، فانقسم العرب مرة أخرى إلى فسطاطين: مشارقة (من العرب السُّنة والشيعة والمسيحيين) صوتوا تحت الضغط والابتزاز الأمريكي لصالح الملف الثلاثي لأمريكا الشمالية، وجناح إفريقي أجمع على تأييد الملف المغربي.

وبالنظر إلى علاقات المغرب المتوترة مع معظم أشقائه من دول شمال إفريقيا، وانخراطه على أكثر من مستوى في سياسات متناغمة مع دول الخليج، سواء في ملف اليمن، أم في ملف الصراع الخليجي الإيراني، كان يُتوقع أن تأتي نتيجة التصويت العربي معكوسة: بدعم خليجي له أكثر من مبرر، ومناكفة مفهومة من أكثر من دولة من دول شمال إفريقيا.

خذلان دول الخليج لبلد عربي شقيق، تقاطع مع مقاولة العراق ولبنان لرغبة إيران في الانتقام الرخيص، في استحقاق كان يعني الكثير للأشقاء في المغرب، خذلانٌ استقبل بغضب شعبي متوقع تجاوز حدود المغرب ليطال أغلب شعوب شمال إفريقيا، التي قرأت فيه حالة من الخيانة الموصوفة، تضاف إلى خيانات خليجية سابقة في أكثر من مناسبة، وإلى استهتار مفضوح بمصالح شعوب ودول شمال إفريقيا، التي تمثل ثلثي تعداد سكان العالم العربي، وأكثر من ثلثي مساحته، وعمقه الجغرافي والجيوسياسي.

وربما يكون قد حان الوقت لمواجهة الأشقاء في المشرق بواجب مراجعة سياساتهم تجاه دول وشعوب شمال إفريقيا التي لم تستفد منذ قيام جامعة الدول العربية من أي تضامن يُذكر من الأشقاء في دول الخليج التي لم تتردد في تمويل وإدارة حروب بالوكالة انتهت بصوملة ليبيا، والعبث في الساحة السودانية انتهت بتقسيمه، واللعب في ملف نزاع الصحراء الغربية بما يذكي ويوسع الصراع بين الجزائر والمغرب، فضلا عن مناورات متواصلة لاستضعاف مصر، واستغلال أوضاعها المادية الصعبة قبل استدراجها إلى المشاركة في مؤامرة “صفقة القرن” المعوَّل عليها لتصفية القضية الفلسطينية.

مبدئيا، ليس لدول شمال إفريقيا ما تخسره من فك الارتباط مع مشرق عربي موبوء بأكثر من أزمة وفتنة، مرشح في القريب العاجل لحرب إقليمية مع إيران يساق فيها إلى حتفه بظلفه، ولن يكون في مأمن من إعادة تنشيط مسخ آخر لـ”داعش” يُتخذ ذريعة لإعادة وضع اليد بصورة مباشرة على جزيرة العرب، وإعادة تقسيم المُقسَّم فيها وفق خرائط متداوَلة منذ تسعينيات القرن الماضي إماراتها إلى كانطونات تابعة إلى كيان صهيوني مهيمن، قد يُشهر في القريب العاجل مطلب استعادة “مستوطنات” خيبر.

وربما يكون قد حان الوقت ليدرك الأشقاء في الخليج أن الثروة لا تصنع القوة، كما توهَّمت قطر في وقت سابق، أو كما يتوهم اليوم أبناء الشيخ زايد وابن سلمان، وأن يعوا أن حبل أمريكا قصيرٌ متآكل، وحبل إسرائيل أوهنُ من خيط العنكبوت، وأن الغرب الذي خدع الأعراب بداية القرن العشرين بألاعيب المغامر لورانس، وخدعهم بربيع شعوب مغشوش، لن يتردد في الاستفراد بدول وشعوب المشرق بعد استكمال إنجاز القطيعة مع شعوب ودول شمال إفريقيا بمساهمة سخية من دول الخليج وقد آل الحكم فيها إلى أغيلمة يقودون جزيرة العرب إلى شرٍّ قد اقترب، وغروب ما بقي من شمس العرب من مشرقهم.

مقالات ذات صلة