جواهر
يسألن في كل شئ عن أي شئ

عندما يحسن “التقرعيج” مزاج النساء!

سمية سعادة
  • 3424
  • 33
ح.م

يعدُّ “التقرعيج”، مثلما يُقال في العامية الجزائرية، من السلوكات المنتشرة بصورة كبيرة وسط مختلف فئات المجتمع، خاصة بين النساء اللواتي يبدو أنّهنّ لا يقدرن على العيش إلا بتتبُّع كلّ صغيرة وكبيرة لدى الجيران والأقارب، والبحث في التفاصيل وحشر أنوفهنّ في كلّ شيء، الأمر الذي يحسن مزاجهن ويخفف من ضغوطاتهن النفسية.

ومن الأماكن المفضلة بالنسبة للنساء لممارسة هواية “التقرعيج” نجد الحمامات والأعراس بما توفره من بيئة ملائمة للتجمُّع والحديث دون رقيب أو حسيب، حيث تلتقي “الشامية” و”البغدادية”، كما يُقال في المثل، حول مائدة عليها ما لذ وطاب من أخبار وحكايات مثل “فلانة تزوجت” و”علانة تطلقت”، وبينهما حكايات وقصص كثيرة، بعضها يحمل تفاصيل حقيقية وبعضها الآخر مغلّفٌ مختلقٌ بهدف الشماتة والاستهزاء.

تروي السيدة حكيمة.ن، وهي موظفة بإحدى المؤسسات الاقتصادية الخاصة، أنّها تضرّرت من هذه الممارسات النسوية التي لا تنقطع عن “التقرعيج” حول كلّ صغيرة وكبيرة في حياتها الخاصة، إلى درجة أنّها فكّرت مرارا وتكرارا في مقاطعة كلّ تلك المجالس والنأي بنفسها عن تلك التجمُّعات التي بطلاتها لا يتعبن من تعقُّب حياة الآخرين الشخصية، لكنّها مع ذلك، لم تجد حلًّا لائقا يسمح لها بالتعامل مع أولئك النسوة اللّواتي يشتغلن معها داخل هذه المؤسسة التي تعمل بها، وهنّ لا يختلفن كثيرا عن النساء اللّواتي يتردّدن على الحمّامات والأعراس والولائم المختلفة، حيث يسألنها عن كلّ شؤونها الخاصة، وبما أنّها من النساء اللّواتي يُفضّلن الاحتفاظ بأسرار عائلتها وأقاربها بعيدا عن سوق المزايدات النسائية، فقد وجدت صعوبات جمّة في النأي بنفسها عن تلك الجلسات التي تعقدها زميلاتها في العمل، ويقمن خلالها بتشريح المشكلات الاجتماعية وتدارسها، وكأنّهنّ أخصائيات نفسانيات أو اجتماعيات يبحثن عن حلول ناجعة لتلك المشاكل والآفات الاجتماعية.

ومن بين الأمور التي تذكر هذه السيدة أنّ زميلاتها لا يتردّدن في السؤال عنها أجرتها الشهرية، فضلا عن تفاصيل أخرى تتعلّق بأبنائها ونتائجهم الدراسية، التي تُفضّل أن تحتفظ بها لنفسها خشية أن تمسّهم عين الحاسدين لأنّهم من التلاميذ النجباء.

في الجهة المقابلة، تؤكد السيدة كريمة.ع، وهي موظفة في قطاع التعليم، أنّها تشعر أحيانا بالملل نتيجة ضغوطات العمل وكذا صعوبات حياتها الأسرية التي تعيشها بالحاجة إلى التنفيس عن نفسها، حيث تعتبر أنّ ملاذها الوحيد للهروب من تلك الأجواء المقلقة هو الحديث إلى بعض صديقاتها في العمل؛ وبما أنّهنّ يُعانين من مشكلات متشابهة، فإنّهنّ يلجأن إلى الخوض في شؤون معارفهنّ، وهو الأمر الذي يجرُّهنّ، تناول مواضيع الزواج والطلاق وتفاصيل إنفاق أجرتهنّ الشهرية، ويُحاولن قدر المستطاع الابتعاد عن الحديث في كلّ ما يتعلّق بالدروس وشؤون التلاميذ، لأنّ ذلك يزيد من الضغط عليهنّ، إذ يُحبّذن نسيان كلّ ما يتعلّق بالمدرسة والتزاماتها، وهذا ما يدفعهنّ دفعا إلى “التقرعيج”، حتى وإن اعترفت هذه المعلمة أنّه من السلوكات التي تكرهها، لكنّها تُقبل عليه رفقة زميلاتها، على اعتبار أنّه “شرٌّ لابدّ منه” للهروب من ضغوطات العمل المستمرّة، وهي تؤكد أنّه لولا “التقرعيج” لدخلت “سكة لهبال” دون أن تدري نتيجة عدم وجود متنفس آخر تشغل به نفسها؛ فهي لا تستطيع أن تؤمن مبلغا من المال طيلة عامل كامل من العمل دون انقطاع يكفيها للسفر من أجل قضاء سنوية تُنسيها هموم العام الدراسي المثقل بالتضحيات، وتجعلها تستعيد أنفاسها لتعود بروح مقبلة على الجد والاجتهاد في العام الدراسي الموالي.

وتروي السيدة نورة. س، وهي ماكثة بالبيت، أنّ تتبُّع خصوصيات الناس ليس من أولوياتها بالرغم من كونها لا تشتغل وتقضي معظم وقتها في رعاية أبنائها وشؤون أسرتها، حيث تعتبر أنّ حياتها وضعتها ملك عائلتها الصغيرة، ولهذا فهي تسعى جاهدة من أجل إرضاء أبنائها بتنويع الوجبات التي تحرص دائما على أن تكون في مستوى تطلُّعاتهم، خاصة وأنّ أكثرهم يحبّ الأكلات التقليدية التي تتفنّن في صنعها باستمرار. وعلى هذا الأساس، لا تجد السيدة نورة وقتا مستقطعا تستغلُّه في الحديث مع جاراتها أو معارفها عن شؤون الآخرين، التي تعتبر أنّها لا تهمُّها، لا من قريب ولا من بعيد، وأنّ حرصها الأول والأخير هو الوفاء بالتزاماتها تجاه أسرتها.

وحتى وإن انقسمت النساء ما بين عاشقة لفكرة “التقرعيج” وكارهة لها، فإنّ هذه الظاهرة تظلُّ لصيقة بسلوكاتنا المجتمعية طالما هناك من ربّات البيوت من لا يكفيهنّ العيش في دائرة بيوتهنّ ويتطلّعن دائما من النافذة لعلّهنّ يظفرن بمن يتزوّدن منه بتلك الأخبار التي تحدث وراء الأبواب المغلقة البعيدة.

مقالات ذات صلة