الرأي

عن “التعويض” ليهود الجزائر!

حسين لقرع
  • 2014
  • 5
أرشيف

برزت في السنوات الأخيرة منظماتٌ وجمعيات صهيونية عديدة تطالب عددا من الدول العربية وإيران بدفع مئات الملايير من الدولارات ليهودها الذين غادروها منذ عقود باتجاه فلسطين المحتلة، تعويضا لهم على “تهجيرهم” من هذه البلدان، وعن “أملاكهم” التي تزعم هذه الجمعيات أنهم تركوها وراءهم كالعقارات غير المنقولة، من بيوت ومحالّ وورشات ومعابد…

في البداية، لم يأخذ أحدٌ في البلدان العربية هذه المزاعم والمطالبات على محمل الجدّ كما يبدو، لاسيما وأنّ الأمر اقتصر على جمعيات أهلية، لكنّ الأمر بدأ يتغيّر في الآونة الأخيرة ويأخذ طابعا رسميا؛ ففي أواخر سبتمبر الماضي، أثار إيدي كوهين، وهو مستشارُ نتنياهو، المسألة رسميا لأوّل مرة في حوار لقناة “روسيا اليوم”، حينما طالب عددا من الدول العربية وإيران بدفع 200 مليار دولار لتل أبيب كتعويضات عن “أملاك اللاجئين اليهود الذين هُجّروا منها قسرا”، على حدّ زعمه، مستنداً إلى تقرير أعدّته لجنةٌ نصّبتها الحكومة الصهيونية منذ 3 سنوات لإحصاء ممتلكات اليهود “المصادَرة” في الدول العربية والإسلامية، وتوصّلت بعد عملية مسح وجرد سرِّي إلى إحصاء الأملاك وتقدير قيمتها بـ200 مليار دولار، يتوجّب اليوم على الدول المعنية دفعُها لتل أبيب على سبيل التعويض، ومنها: مصر والعراق وليبيا وسوريا وتونس وإيران وكذا الجزائر التي اتهمها بـ”تحويل المعابد اليهودية بها إلى مساجد؟!”.

أكثر من ذلك، بدأ الكيان الصهيوني، يسعى إلى تدويل “القضية” من خلال الإيعاز إلى مندوبه لدى الأمم المتحدة، جلعاد أرادان، بالتحرّك على مستوى المنظمة الدولية بهدف “تمرير قرار أممي يعترف بمحنة اليهود المبعَدين”، وزعم أرادان في مقال نشرته “جيروزاليم بوست” الاثنين الماضي، أنّ هناك “850 ألف يهودي تعرّضوا للطرد من عددٍ من الدول العربية وإيران منذ سنة 1948″؟!

نحن إذن أمام حالةٍ متقّدمة من التبجّح والفجور السياسي والإدّعاء الكاذب والابتزاز المالي السافر لعددٍ من بلداننا؛ فالعصابات الصهيونية هي المسؤولة عن تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم خلال “نكبة” 1948، والاستيلاء على ديارهم وأراضيهم وممتلكاتهم. وإلى حدّ الساعة، لا يزال الاحتلالُ يتنكر لأزمة للاجئين الفلسطينيين الذين يبلغ عددُهم الآن، بحكم النموّ الطبيعي، 6 ملايين لاجئ، ويرفض قطعا عودتهم إلى ديارهم، ويكتفي بعرض تعويضات مالية عليهم وتوطينهم في البلدان التي يعيشون فيها حاليا، قبل أن ينتقل إلى اختلاق ما أسماه “محنة اللاجئين اليهود المطرودين من 10 دول عربية وإيران” ويطالب بدفع “تعويضات” لهم عن “أملاكهم”، مع أن الجميع يعلم أنّهم كانوا جزءا من المجتمعات العربية وكانوا يعيشون فيها بأمان منذ هروبهم من محاكم التفتيش بالأندلس فور سقوطها في 1492م، ثم هاجروا بمحض إرادتهم إلى فلسطين المحتلة بعد قيام “دولة” الاحتلال، ولم يطردهم أحدٌ، وكل ما يردّده الكيانُ الصهيوني الآن يهدف إلى التعمية على قضية اللاجئين الفلسطينيين المظلومين، وقلبِ الحقائق التاريخية، وابتزاز العرب وإيران وحلبِ أموالهم، بعد أن انتهى ابتزازُه لألمانيا بدفع مئات الملايير من الدولارات له تعويضا عن “الهولوكوست” المزعوم.

منطقيا، لن يدفع أيّ بلد عربي كان يعيش فيه يهودٌ ثم هاجروا إلى فلسطين المحتلة، تعويضاتٍ لهم؛ فقد هاجروا بمحض إرادتهم إلى ما أسموها “أرض الميعاد” ولم يرغمهم أحدٌ على ذلك، كما شاركوا في جريمة احتلال أراضي أشقائنا الفلسطينيين وسكنوا ديارهم التي طُردوا منها، والجزائر واحدة من الدول التي غادرها عشراتُ الآلاف من اليهود مع المعمّرين الفرنسيين فور استقلالها في 1962، ولم يطردهم أحد ولا مجال لمطالبتها بأيّ تعويضات.

أخيرا نؤكّد أن سباق الأعراب على التطبيع والانبطاح المهين للاحتلال والتخلي عن فلسطين والقدس والأقصى، هو الذي شجّعه على المطالبة بالتعويض ليهوده، حتى بتنا نسمع صهاينة يتحدّثون، بكلّ وقاحة وصفاقة، عن ضرورة تلقي تعويضات عن تهجير أجدادهم من المدينة المنوّرة وخيبر قبل 14 قرناً!

مقالات ذات صلة