-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
خواطر العام الهجري الجديد

عن المضغة التي في جسدنا

أبو جرة سلطاني
  • 446
  • 4
عن المضغة التي في جسدنا
أرشيف

قياسا على ما جاء في الحديث الشّريف حول المضغة التي في جسد كلّ فرد، أقول: “.. ألا إنّ في جسد الأمّة بقعةً إذا تحرّرت تحرّرت الأمّة كلّها وإذا احتُلّت احتلّت الأمة كلها، ألا وهي فلسطين”.

وردت كلمة “هجرة” واشتقاقاتها اللغوية في كتاب الله تعالى اثنتين وثلاثين مرة، في سبع عشرة سورة (سبع مكيّة وعشر مدنيّة). والمتأمل فيها يجدها تتحدّث عن أربعة أنواع من الهجرة:

  1. هجرة جسدية مثالها قوله تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ” النساء: 34.

2.وهجرة نفسية ومثالها قوله تعالى: “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا” الفرقان: 30.

  1. وهجرة إيمانية ومثالها قوله تعالى: “والرِّجْزَ فَاهْجُرْ” المدثر: 5.
  2. وهجرة جغرافية ومثالها قوله تعالى: ” فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي..” آل عمران: 195.

والذي يهمنا في مطلع العام الهجري الجديد 1442 هما الهجرتان الجغرافية والإيمانية، فبغير إيمان لا قيمة لهجرتك بالانتقال من مكان إلى مكان إذا لم تُحدث في أعماق نفسك ثورة توبة تجدد بها حياتك بـ”هجرة” الهوى والذنوب والمعاصي والمنكرات.. وإلا ستحمل معك ضعفك وهوانك وخطاياك إلى الأرض التي تهاجر إليها، وستكون هجرتك لدُنيا تصيبها ولمعصية تقترفها في دار الهجرة.

هذا حالُ أمَّتنا في كل عام هجري جديد منذ عشريتين كاملتين، كانت بدايتها تفجيرات ما سميّ بأحداث سبتمبر 2001. وفي مطلع العام الجديد أرى أن العالم الإنسانيّ كله في مأزق كبير وفي نفق مظلم، وكان يسارع الخطى إلى نهايات غير حميدة لولا كبحُ جنونه بوباء كورونا لكان ظلامه أشد قتامة وبطش كبرائه أشدّ فتكا بالمستضعفين في عالمنا التعيس: “وَعَسَى أنْ تَكْرَهُو شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” البقرة: 216. وأحسب أن أمة الإسلام تمرُّ بأعسر المراحل التي تسبق التحوّلات الكبرى في التاريخ البشري كله، وإذا جاز لي تشبيهُ واقعنا بما مرَّ في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإني أرى أمتي في مرحلة شبيهة بحصار الثلّة المؤسسة التي انتهت بها سنوات الحصار إلى ما صار يعرف بـ”عام الحزن”، فخلال العشرين سنة الماضية تفككت أوصال أمة الإسلام في العالم كله، ففقدت سندها الخارجي المزعوم، ولم يبقَ لها على وجه الأرض صديقٌ ولا حليف سوى من يرى فيها سوقا لتصدير فائض سلعه وانتهار خيراته من نفط وغاز وعقول مهاجرة، ثم يدعوها إلى مزيد من المذلة والهوان. وفقدت سندها الداخلي بتآكل رصيد الثقة بين كثير من الأنظمة وحكامها، وفقدت هيبتها ووقارها بتورّط كثير من مسيّري دواليبها في الفساد والاستبداد والقتل.. فسقط ما بينها وبين مؤسساتها الإقليمية من تلاحم وتعاون وانتماء.. على نحو أصبح معه الإحساس بالانتماء إلى كثير من هذه الأنظمة شتيمة إذا بُشّر بها الحرُّ ظل وجهه مسودا وهو كظيم.

فقدت أغلبُ الشعوب العربية ثقتها في حكامها وأنظمتها وفي تاريخها ولغتها ومؤسساتها الوطنية والإقليمية والدولية.. وتفككت أوصالها بعد أن خذلها كثيرٌ من الخونة بالهرولة -سرا وجهرا- إلى التطبيع مع الغاصب المحتلّ والتزلف والانبطاح والتغريب والتراشق بالتهم.. ونفض اليدين من “قضية الأمة المركزية”.

لكنّ هذا الليل البليد لن يطول كثيرا، فقريبا يتنفّس صبحُه ويظهر من وراء خيوطه من يقود الأمة إلى ساحات النصر والفخار، فقد علمنا التاريخ أنه كلما عسعس الليل تنفس الصبح، وكلما ظهر الفساد في البر والبحر ظهر من يبرم للأمة أمر رشدها، ويأخذ بيدها إلى معانقة أشواقها، فتنهض على يديه من كبوتها وتأخذ بزمام القيادة مهما كلفها ذلك من ثمن، فدوام هذا الحال مخالفٌ لسنن مداولة الله الأيام بين الناس: “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ” آل عمران: 140. وتلك أقدارُ الله الرابضة خلف أسداف الغيب، ولكن الأقدار لا تطرق أبواب النائمين الكسالى، ولا تردَّ حقا لمن هرول وطبَّع وباع وقبض الثمن وقبَّل أيدي بني صهيون، فأمر الله آتٍ لن يتخلف، وتاريخ العام الماضي قد كُتب بأحرف من إسفلت: “في آخر أيام العام 1441 من الهجرة باع أقوامٌ من العُربان ما لا يملكون لأقوامٍ من العُبران ما لا يستحقون، فكانت تلك الصفقة الخائنة طعنة غادرة تلقاها الأحرار في ظهورهم فانتفضوا، فكانت سنة 1442 هجرية بداية الصحوة الثالثة.. والبقية سيكتبها التاريخ لاحقا”.

إذا كان عام 1441 هجري شبيها بعام الحصار والحزن، في لحظة يأس الأمة من الخروج بسبب ما آل إليه وضعُها من هوان على الناس ونزاع وصراع واقتتال وفرقة.. وبما فقدت من خيرة رجالها على أيدي بعض حكامها. وبما تقهقهر به ترتيبُها العالمي في كل مجالات الحياة فصارت في ذيل قوافل الأمم (حتى في الأخلاق والقيم الإنسانية التي كان عليها الآباءُ والأسلاف). إذا حدث كل هذا في عام مضى فإن العام الهجري الجديد سيكون عام الصحوة الثالثة الذي تسبقه محطة فارقة للمراجعات الكبرى تتحدَّد فيها ثلاثة معالم أساسية تكون بداية نهضة مبشرة بتسلم الجيل الثالث زمام الأمور في مشهد تاريخي أرى معالمه تلوح في أفق صبح قادم إن شاء الله.

 – أراه في معالم خريطة جديدة للأمَّة العربية لعصر ما بعد التطبيع.

 – وأراه في معالم خريطة للعالم الإسلامي بعد فقدانه بوصلة القيادة خلال قرن يوشك على النهاية: 1924/2024.

 – وأراه في معالم خريطة محاصرة للكيان الصهيوني المزروع كالزائدة الدودية في جسم الأمة العربية.

كنا قبل اليوم نظنه جسما غريبا مطوَّقا بأربع جبهات (مصر. سوريا. لبنان. والأردن) ومحاصرا نفسيا بعرب الامتداد المتوسطي من سرْت شرقا إلى مضيق جبل طارق غربا. ولكننا صحونا على حقيقة شديدة القبح والمرارة.. وعزاؤنا الوحيد أن دوام الحال من المحال.

ليس مهما أن ينتهي عامٌ قديم ويبدأ عام جديد إذا كانت أمتنا واقفة على رصيف حركة الحياة تراوح مكانها، والتاريخ يجري بصناعة الكبار. فما قيمة أن تستقبل أمة نائمة عاما هجريا جديدا وهي موضوعة على رفّ الصراع، هائمة على وجهها لا تدري ما تصنع؟ بل ليس في نيتها أن تنفض غبار المهانة والعار عن جبين كان يُفترض ألاّ يسجد إلا لله جل جلاله. أيام التاريخ تتشابه إذا لم تجد رجالا يغيِّرون مساره ويصنعون أمجاده كما فعل صلاح الدين الأيوبي يوم أدرك أن حديث “الحلال بيّن والحرام بيّن” يمكن قراءتُه قراءة حضارية بالنص التالي: “ألا إن في جسد الأمة بقعة إذا تحررت تحررت الأمة كلها وإذا احتلت احتلّت الأمة كلها: ألا وهي فلسطين”.

فعذرا يا رسول الله فقلبُ الأمة الإسلامية دخل غرفة الإنعاش، وليس لنا من أمل في إعادة تنشيطه -بعد الله- سوى تعريضه لسلسلة من الصّدمات الحضاريّة، أولها صدمة رفض التطبيع مع الكيان الغاصب، وثانيها مناهضة هذا التوجّه الخائب، ثم اليقين بأنَّ “وعد أولاهما” وشيك: “فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)” المعارج: 5/7، فما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان.

وكل عام وأحرار أمّتنا متأهّبون للانتفاضة القادمة؛ انتفاضة تحرير فلسطين وإقامة دولتها الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • ابونواس

    سؤال بريئ جدا .............وهل تملك هذه المضغة أصلا...؟ لاأعتقد ذلك...لأنه لو كنتم تملكونها لما آلت اليه الامة العربية المسلمة والجزائر خاصة الى هذا التخلف واستغلال المناصب في الثراء والاغتناء وتفقير الشعب وتحويله الى قطيع كالخرفان والنعاج والمعيـــــــز......هذه المضغة يملكها اليهود والنصارى والغرب عموما..بدليل العدالة الاجتماعية والعدالة القانونية والديمقراطية وسيادة القانون على الرئيس قبل المرؤوس...أتمنى من هؤلاء الغربيين التخلي عن الشرك بالله...وكلهم سيدخول الجنة حتى ولم يصلو أو يزكو أو يصومون..فتكفي أعمالهم الخيرية وخدمة شعوبهم وحمايته ورعايته والحفاظ على أموال الشعب تكفي لدخولهم الجنة

  • خليفة

    تشرذم بني عربون و تباين مواقفهم من القضية الفلسطينية ،مرده اختلاف مصالحهم ،و طغيان انانياتهم ،و اهتزاز مبادءهم،و بالتالي صارت الوحدة العربية و التضامن العربي و جامعة الدول العربية..الخ مجرد شعارات لا تسمن و لا تغني من جوع.

  • محمد قذيفه

    جزاك الله خيرا ولكن اسمح لي يا أستاذ : نحن فيس حيرة من أمرنا ، من نصدق ، كثرت الأقوال ، وقلت الأفعال ، فالجميع يتغنى بفلسطين كتابة أو عبر الفضاء ، لكن لاأحد قدم مبادرة خير لفلسطين مهما ضؤل شأنها ، حتى المطبعين يقولون اننا طبعنا من أجل فلسطين ،حتى لا يتم ضم أجزاء من الضفه ، الله يستر وشكرا جزيلا على المقال الجيد

  • tarik

    vas dormir monsieur Bouguerra