-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عن رحيل المجاهد علي علية

عن رحيل المجاهد علي علية

غادر دنيانا الفانية وإلى الأبد صبيحة يوم الأحد 16/01/2022م الموافق 13/جمادى 2/1443هـ بأحد مستشفيات الجزائر العاصمة المعلم والمدير والمجاهد والمناضل والسياسي والثوري الخلوق والمتواضع الراحل عمي(علي علية) الذي يُناديه سكان تبسة ولاسيما شبابها بعمي علي.. إلى مثواه الأخير..ووري الثرى في جو جنائزي مهيب وسط جمع من الأهل والأصدقاء والمحبين بمقبرة تاغدة العتيقة بمدينة تبسة ليرقد بأمان إلى جانب إخوانه المناضلين والمجاهدين والمصلحين من الرعيل الأول من رواد الحركة الوطنية يوم الاثنين 17/01/2022م الموافق 14/ جمادى 2/1443هـ.

والفقيد عمي علي أصله من عشيرة أولاد سعد المجاهدة الأبية من فرع العلاونة المنتمية إلى قبيلة النمامشة الثورية المجاهدة، ومن سكان الأعالي الذين يتوزعون على سلسلة جبال الدكان وأنوال وأسطح قنتيس وثليجان وبوجلال والبسباس والعنبة وبورمان.. وصولا إلى وادي هلال ومرتفعات الجبل الأبيض والجرف الشهيرة بمعاركها أثناء الثورة التحريرية المباركة (معركة الجرف 1955م، معركة أم الكماكم 1956م معركة أرقو 1956م، ومعركة جبل أنوال الشهيرة 1956م..)، هذه الجبال والمعارك التي كتب عنها الجنرال (بيجار-Bigard) كتابه الشهير (من أجل قطعة من مجد- Pour une Parcelle De Gloire)، والتي كتب عنها الطيار الفرنسي الملازم الأول الذي سقطت طائرته هناك (كلوسترمان- P.Klosterman) كتابه الشهير (إسناد ناري على واد هلال- Appui Feu Sur L , Oued Helall).. هذه المعارك التي شارك فيها عمي علي عندما كان كاتبا للقائد الرمز والمجاهد الكبير (شريط لزهر ت 1957م) يرحمهما الله ويسكنهما فسيح جناته منذ الهجوم على دورية ومركز الدرك الفرنسيين بسطح قنتيس يوم 22/09/1954م قبل اندلاع شرارة الثورة التحريرية بفتوى حملها له المجاهد القدير الراحل (محمد الربعي يونس) تلميذ المعهد الباديسي بقسنطينة من الشيخ العربي التبسي يفتيه بجواز قتل الدركيين الذين قتل منهم ستة وغنم أسلحتهم وأحرق آليتهم العسكرية.. وهو قريب المجاهد الكبير الرائد عثمان سعدي والدكتور عثمان سعدي الدبلوماسي والسفير الخلوق والمتواضع.. وهكذا شأن كل عشيرة أولاد سعد الذين أعطوا الجزائر والثورة المدد الدافق من الرجال الصالحين.. وغيرهم من عشائر الجدور وأولاد حراث وأولاد الشامخ وأولاد العيساوي والجلامدة.. وغيرهم.. هذه الجبال والعشيرة التي قال عنها وفيها الشهيد الرمز البطل (مصطفى بن بولعيد ت 1956م) رحمه الله: ((إذا ثارت النمامشة فأبشروا بالنصر)). (مذكرات الرائد عثمان سعدي ص 104).

والفقيد عمي علي ولد في عشيرة أولاد سعد سنة 1932م وبخيمتها القرآنية حفظ القرآن الكريم ومبادئ العلوم العربية والدينية، ثم التحق بمدرسة تهذيب البنين والبنات بتبسة التي بناها أهل تبسة ترضية للشيخ العربي التبسي سنة 1929م- 1933م الذي غادرهم غاضبا لبلدة (سان دوني دو سيق) القريبة من مدينة معسكر بتوصية من العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس.. ولما افتتح معهد عبد الحميد بن باديس سنة 1947م التحق نخبة من أبناء تبسة للدراسة بالمعهد الباديسي وكان منهم عمي علي علية ونال شهادة التحصيل التي أهلته للدراسة في جامع الزيتونة كسائر أبناء جيله.

ولما اندلعت الثورة التحريرية المباركة التحق بصفوفها، وكان كاتبا للقائد الرمز المجاهد الشهيد المغدور (لزهر شريط ت 1957م) يرحمه الله، وما أدراك ما لزهر شريط، البطل الهمام، وعنه تعلم وتأدب وأخذ الكثير من الخبرات والتجارب القتالية والدينية.. وقد أُبعِد مع قائده وسائر مجاهدي الولاية الأولى بعد مؤتمر الصومام 1956م وتحكم لجنة التنسيق والتنفيذ في مسار الثورة عموما والولاية التاريخية على وجه الخصوص.. إلى تونس سنة 1957م وظل مجاهدا في جيش الحدود إلى غاية الاستقلال ودخوله تبسة شهر مارس 1962م.

وقد ترأس بلدية تبسّة سنوات 1962-1965م يرحمه الله، وكان صديقا للراحل الرئيس (أحمد بن بلة) الذي زار المدينة في عهدته، وخرجت الجموع التبسية تلهج بالنداء الصادق لزعماء الثورة التحريرية المباركة مردِّدين عبارة (يحيا بن بلة)، وهكذا كان الشعب وفيا لقيادته الثورية تلك السنوات رغم الفقر والجوع والعري.. وظل عمي علي رئيسا للبلدية حتى قيام الرئيس الراحل (هواري بومدين) بالحركة التصحيحية يوم 19/06/1965م، فتنحى عن رئاسة البلدية لمعارضته للانقلاب وغضب السلطة الجديدة عليه، التي سجنته واعتقلته.. وانقطع للتعليم وإدارة متوسطة (فراز فانون) ثم الثانوية التقنية (أبو عبيدة عامر الجراح).. إلى أن نعم بالتقاعد والتجوال والجلوس وسط البلدة.. وهو من جيل المخرج العالمي المعروف (محمد راشدي حي 1443هـ 2022م) والذي أخرج من أجل عرض تجربته البلدية التي يقول عنها عمي علي دائما: ((يا لها من تجربة)).. الفيلم الشهير (طاحونة السيد فابر) سنة 1983م، والتي أدى فيها دورَ البطل ورئيس البلدية (علي علية) الممثلُ المصري الراحل المحترم (عزت العلايلي)، ودور الفساد والفاسدين الممثلُ المصري الراحل (حسن مصطفى) يرحمه الله.. ومن فضول الكلام وعمق معرفتي به وحبه للشباب وتشجيعهم فقد رغب في اختياري كي أمثل دورا في الفيلم وتحدّث مع المخرج الذي رحّب بي لسببٍ خاص.

وهو ممن يملكون ذاكرة وأرشيفا محترما عن تاريخ الجزائر عموما وتبسة على وجه الخصوص، وأرجو من ابنته أن تضع أرشيفه في أرشيف ومحفوظات الولاية.. فهو رحمه الله يملك الكثير حسبما كان يوجهني أثناء كتابتي لرسالة الدكتوراه عن الشيخ العربي التبسي سنوات 1993-1999م.. وكان قليل الكلام، يفضّل الصمت على الثرثرة، وإذا ألححنا عليه يجيب إجابة اللمح والبرق والاختزال.

وكان هو بطل فيلم المخرج (محمد راشدي) (الطاحونة) أو ما يسمى بـ(طاحونة مسيو فابر)، لأنه أمَّمها عندما كان رئيس بلدية تبسة في تأميمات 1964م التي دعا إليها الرئيس الراحل أحمد بن بلة.

ثم صار أول رئيس للمجلس الشعبي الولائي بتبسة بعد تقسيم سنة 1974م، وفي تلك السنة زار الراحل الرئيس الفحل الشهم (هواري بومدين) تبسة واستقبله عمي علي كرئيس للمجلس العشبي الولائي ورئيس بلديتها عمي (تطار التارزي) ومساعده عمي (عبد الكريم مشري) وسائر أعضاء المجلس البلدي يرحمهم الله ويسكنهم فسيح جناته: ((هذه بلدة وولاية لو قلّبت أيَّ حجر فيها لقال لك الحجر: “لا تلمسني فتحتي يقبع جثمان شهيد”)).

وظل عمي علي رحمه يسكن تبسة ولا يغادرها بالرغم من توفر العشرات من الفرص بيده بعد الاستقلال من الاستحواذ على أفضل المساكن في العاصمة أو في غيرها.. وكنا نلتقيه نحن شباب تبسة الجامعيين المناضلين رفقة مجاهدي ومناضلي وسياسي تبسة ومثقفيها وأعلامها وأعيانها وقادتها حال زيارتنا لها، وظللنا كذلك نلقاه إلى الأشهر الأخيرة فقط ونلتقط معه الصور ونستعيد الذكريات التبسية النضالية الجميلة، ولكم رغَّبته ودعوته الكثير من المرات أن يكتب مذكراته بحكم مواكبته ومكانته من قادة الثورة الحقيقيين في منطقة النمامشة (لزهر شريط، بابانا ساعي، محمد بن علي، صالح بن علي، الوردي قتال، الباهي شوشان، عباد الزين، مقدد جدي، عثمان سعدي، علي عفيف، علي فارس، عمار الزغلامي، الهادي رزايمية، حمّة هنين، محمد الناصر مشري..)، ولكنه آثر الصمت، ولم يفلح من هؤلاء المجاهدين والقادة الميدانيين لكتابة مذكراته سوى عمي الوردي قتال البلعيساوي) و(الرائد عثمان سعدي السعداوي).. ولو أصغى لنصيحتي ونصيحة من هم أفضل مني لما حجب عنا الحقيقة.. يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته..
لقد أحبّ تبسة الساحرة فأحبّته، فلترقد هانئا عمي علي في جنان الخالدين وستلقى أحبابك هناك.. وعليك الرحمة والرحمات من ابنك الروحي ابن الثورة والمجاهدين.. وابن صديقك محمود.. ولنا لقاءٌ عند الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • المهتدي بالله

    ليعلم القاصي والداني ان كل المجاهدين الحقيقين افضل منا جميعا.. يكفيهم فخخرا وفضلا وشرفا.. انهم خرجوا في سبيل الله وفي سبيل تحرير الوطن.. نعم اخطأوا وكل ابن آدم خطاء.. يكفي انهم كانوا لا بنزعون ثيابهم ولا يخلعون احذيتهم في الأسبوع مرة.. ويكفي إنهم كانوا يضعون حياتهم في اكفهم من أجلنا.. فهم عند ربهم يرزقون.. وساعة واحدة من حياتهم خير من أعمار كثير منا.. للأسف الشديد لم تعيشوا في محضن الثورة والجهاد الحقيقي.. وغرتكم الاماني عن معرفة ملاحم الآباء والاجداد.. أقراوا تعرفوا وحتى لا تظلموا أنفسكم وغيركم.. أللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون.. محبكم واخوكم..

  • سيباوية قلوم-ورقلة

    خلطوا عملا صالحا باخر سيئا عسى الله ان يغفر لك يا استاذ