الرأي

“عيّاش”… مات واقف!

جمال لعلامي
  • 2510
  • 7

بلا تأويل ولا تهويل ولا تقليل، يجب القول أن مأساة المسيلة هي من “التبهديل”، وكان بالإمكان للسلطات المحلية والنواب والمنتخبين والأحزاب، بهذه الولاية، أن “يستثمروا” في قضية عياش رحه الله، لكن الظاهر أنهم لا يعرفون سوى الاستثمار في أمور أخرى، وهو ما فضحهم في عيون المواطنين، وأدخلهم جميعا قفص الاتهام بعد ما فشلوا فشلا ذريعا في تسيير الملف!
من الطبيعي أن ينفجر المتضامنون في وجه المسؤولين الذين برعوا في التمثيل والتقاعس والإهمال واللامبالاة والتسيّب، ومن البديهي أن يتساءل الغاضبون إن كانت نفس الوضعية ستحدث لو تعلق الأمر بـ”وليد قمقوم”؟ ولماذا لا يأبه الوالي ورئيس الدائرة والمير والمدير، لمعاناة المواطن، إلاّ إذا سقط الفأس على الرأس، وإلاّ إذا جاءه “التلفون” أو “القزول” من الفوق؟
للأسف، لا يتحرّك المعينون بهدف التحرك، إلاّ إذا وقعت المصيبة، ولعلّ حادثة الشاب عياش بأمّ الشمل التي لمّت شمل المواطنين والمتضامنين، ليس من ولاية المسيلة فقط، وإنما من كل الولايات، تبقى نموذجا حيّا لتآخي الجزائريين، ونموذجا أيضا لتراخي المسؤولين وعدم اكتراثهم بالكارثة إلاّ إذا بلغت مكاتبهم أو بيوتهم وشعروا بأنهم في فم المدفع!
عندما يطرد الغاضبون “اللجنة الوزارية” من الميدان، فهذا تحصيل حاصل، لأن اللجنة لم تأت إلاّ بعد أن تحوّلت فضية المرحوم عياش، إلى قضية رأي عام، وكان الأجدر بهذه اللجنة أن تنزل إلى المسيلة، عندما كانت القضية “قضية حياة أو موت”، أمّا الآن وقد توفي المسكين، فما جدوى “التحقيق”، وما الفائدة من تعليق عرجون تمر للضحية، بينما كان مشتاقا “تمرة” عندما كان حيّا؟
من حقّ غاضبين أن يُقارنوا بين “حفرة بن عكنون”، و”بئر عيّاش”، ففي الأولى قامت الدنيا ولم تقعد، ليلا نهارا، وفي الثانية قامت كذلك، لكن كانت من جانب واحد، ولولا تآزر المواطنين من مختلف الشرائح والأعمار، لربما لما سمع أحد بسقوط “العيّاشي”، إلى أن يتمّ اكتشافه إمّا بالصدفة، أو تتعرّض مأساته إلى التعتيم والغلق والتعويم!
عيّاش ما هو إلاّ واحد من “العياشين” المتألمين والمهددين بمختلف بقاع الجزائر العميقة، وهو واحد من “الأحياء الأموات”، قبل أن يتغمده ربّ العالمين برحمته الواسعة، وكان بالإمكان أن يسقط غيره في هذا الأنبوب الملعون، مثلما سقط وسيسقط إلى أن يثبت العكس، ضحايا آخرون في أنابيب مشابهة وحفر ووديان ومجار مائية، ما لم يتمّ لملمة الفضائح التي تعصف بمسؤولين في عديد البلديات والولايات والمداشر!
..ها هو عياش “مات واقف”، في رسالة إلى هؤلاء وأولئك، فرجاء “خافوا ربي”، يا أيها المسؤولين الذين “ما تخافوش ربي”!

مقالات ذات صلة