-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

غادرنا صاحب المواقف الجريئة

غادرنا صاحب المواقف الجريئة
ح.م
عبد القادر حجار

غادرنا وغاب عنا من غيبته الأقدار عن حياتنا ونقلته إلى الحياة الأخرى، غاب الذي عرفناه مدافعا عن مواقفه النضالية التي كان يقفها من أجل ترقية واقع اللغة العربية وتعميم استعمالها في مجالات الحياة الوطنية، المواقف التي كان فيها مقاوما بقوة أساليب التشكيك في قيمة التعامل مع هذه اللغة وأساليب الاستخفاف بدورها في حياة المجتمع، غاب الذي عرفته أجيال الاستقلال بأنه من أكبر المدافعين عن سير التعريب في مجالات الحياة الوطنية، وعن ترقية ظروف الاهتمام بتوسيع عملياته وإعطاء اللغة المكانة الملائمة في حياتنا.

غاب عنا من تعددت مواقفه دفاعا عن هوية أركان الوطن وعن مقومات سيادته في المجالات المتعددة، في المجال السياسي والثقافي والاجتماعي، غاب عنا عبد القادر حجار الرفيق والصديق الذي عشنا معه أهم سنوات النضال في المجال المعرفي والفكري التي كانت بدايتها السنوات التي قضيناها بمعهد الدراسات العربية تلك السنوات التي هيأتنا جميعا للعمل النضالي في المجال الفكري والتربوي والإسهام في تطوير واقع تدريس اللغة العربية، وظل هذا الإسهام قائما يمارسه كل واحد منا في مجال نشاطه، إلى أن جمعتنا الأقدار مرة أخرى في نشاط جبهة التحرير الوطني حين جمعنا النضال من أجل خدمة سياسة التعامل مع اللغة العربية، كان ذلك في بداية السبعينيات في الفترة التي كان فيها صاحب المواقف رئيسا للجنة التعريب التي شكلها الحزب وجعلها وجها من أوجه نضاله السياسي، وكنت في هذه الفترة معه نائبا له في لجنة التعريب، ومساندا لأعمال هذه اللجنة في كل النشاطات التي يتطلبها النهوض بعمليات التعريب، وشرح واقع التعامل مع اللغة العربية للمواطنين الذين كانت تجمعنا بهم اللقاءات في الولايات باسم لجنة التعريب، هذه اللقاءات هي التي تمّ فيها تحضير الندوة الوطنية الأولى التي تقرر عقدها في مارس 1975 بإشراف الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله.

غاب صاحب هذه المواقف عما يُنتظر منه في الظروف الحالية التي أصبحت البلاد بحاجة إلى من يناضل في هذا المجال الذي كان مهتما به، غاب الذي عرفناه مدافعا عن كل موقف وطني يتطلب تجميد المهتمين بقضايا الوطن وتحفيزهم للنهوض برموز السيادة الوطنية، غاب الذي عرفه الناس بأنه من الذين ارتبطوا بالنشاط السياسي منذ أن وجه اهتمامه للدفاع عن كل جانب فكري يرفع شأن الوطن.

ومن أهم الجوانب التي جعلها منطلق نضاله السياسي واهتماماته الحزبية هي مسألة التعريب التي شكل لها الحزب لجنة وطنية، وحدد لها مجالا سياسيا وأسلوبا نضاليا وحضاريا وجمع لها عددا من المفكرين والمثقفين والمناضلين الذين حرصوا في نشاطهم الوطني على تحديد المواقف النضالية التي يستوحيها علاج الأوضاع التي ورثناها في الإدارة والتعليم، ومن أهم المواقف التي تبناها المرحوم عبد القادر حجار واتخذها أسلوبا عمليا في نضاله، وجعلها أساس المواقف التي يتخذها ضمن نشاطه في الحزب وفي اللجنة المركزية هي توجيه اهتمام المسؤولين إلى تصحيح الوضع اللغوي وتوجيه الاهتمام إلى التعامل الإيجابي مع اللغة الوطنية.

وأهم المواقف التي كان له فيها دور بارز هي مجابهته للردة اللغوية التي رآها تنتشر في واقع البلاد، والموقف الذي اتخذه من أجل معالجة هذه الردة لا يمكن نسيانه، وخلاصة الموقف هو مواجهته الصريحة لرفض هذه الردة، وكانت هذه المواجهة هي الرسالة التي وجهها لرئيس الجمهورية السابق، وبيّن له فيها انحراف الوجهة السياسية في المجال اللغوي وأوضح له مظاهر الردة وسلوك المسؤولين الداعم لهذه المظاهر، لقد انتقد الوضع الذي أصبحت عليه البلاد في التعامل مع اللغة وانتقد سياسة الدولة في الموضوع بلهجة شديدة والرسالة كانت موجهة للرئيس شخصيا، وأوضح فيها أنها رسالة خاصة لم يطلع عليها أحد، وكان يظن أنها ستبقى أمرا سريا بينه وبين رئيسه، لأنها كتبها نائب في البرلمان ورئيس لجنة من لجانه، وهذا يعني أنها تقدم له الرأي والنصيحة، وليس شيئا آخرا، ومع ذلك رآها الرئيس أنها نقد له وللسياسة المتبعة، فرفض التعليق عليها أو محاورة صاحبها، وكل ما فعله هو تقديمها لوكالة الأنباء وطلب نشرها في الصحف كاملة، ولا نعرف السبب الذي من أجله نشر الرسالة، لعله كان يريد بنشرها أن يجعل الناس ينظرون إليه على أنه متطاول على الرئاسة، وهذا ما بدأنا نقرأه حين نشرت الرسالة، لقد وجهت انتقادات مسيئة إليه مع أنّ الرسالة تعبير صادق عما أوضحته من مظاهر الاستخفاف باللغة، وما لاحظناه هو أن من كانوا يزورونه في بيته هجروه بعد نشر الرسالة، وتجنبوا اللقاء به، والشخص الوحيد من الكتاب الذي زاره وكتب عن الرسالة كلمات أنصفه فيها هو الصحافي سعد بوعقبة، أما الآخرون فقد كتبوا كلا ما يرفضه العقل، أما أنا فقد بقيت ملازما له، بل كتبت مقالا أنصفته فيه وبينت خطأ من أوّلوا سبب كتابة هذه الرسالة، ثم جمعت الملاحظات التي نشرتها في حينها في مقال مطول بعنوان الرسالة الحجاريّة، نشرت التعليق المطول في كتابي “اللغة ومعركة الهوية في الجزائر”، بينت فيها عددا من الأفكار والجوانب، وأهملت بعض الجوانب التي وردت في الرسالة، وفيها عتابه للرئيس حين رآه يصافح رئيس الكيان الصهيوني (باراك) (في لقاء المغرب)، ذكرت هذا الموقف لأوضح إخلاصه في الدفاع عن اللغة العربية وعن وجهة الوطن السياسية، لأنه موقف لم يقفه أحد في مواجهة رئيسه، وتوجيه العتاب له ودعوته لتصحيح الاتجاه، فالكثير من المحبين اتصلوا بي وقدموا العزاء، ولاموا الدولة على عدم اهتمامها بذكر العديد من مواقفه.

هذا واحد من المواقف الجريئة والصادقة التي تبين إخلاصه وشدة اهتمامه بالمسألة اللغوية والقضية الوطنية والذين يتابعون نشاطه وكتاباته يعرفون حقيقة هذه المواقف وأهميتها. واليوم لم يعد صاحب هذه المواقف موجودا بيننا جسميا ولكن أفكاره ستظل معنا.

نتمنى أن يعاد نشر الشريط الإخباري الذي ذكر جانبا من نشاطه الدبلوماسي، ليذكر فيه النشاط الثقافي ونضاله السياسي في الحزب وفي البرلمان وفي السفارات وهي المجالات التي ينبغي إبرازها لأن الناس بحاجة إلى معرفة الجوانب الخفية منها.

وفي المقالة التي تحمل عنوان الرسالة الحجارية جوانب توضح ما ينبغي معرفته والمقالة يجدها القارئ في كتاب: “اللغة ومعركة الهوية في الجزائر”، من أراد أن يتطلع على أهم الجوانب التي عاشها المرحوم عبد القادر حجار، فليقرأ ما كتبه في مذكراته الشخصية إن كان قد أتمها لأني عرفت أنه كان بصدد كتابتها، ولعله أتم كتابتها.

وما نقوله في الأخير هو أننا نرجو أن يتغمده الله برحمته الواسعة ويلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان، فإنه على كل شيء قدير، هذه وقفة عزاء وكلمة وفاء، نقدمها لأنفسها ولمن أحسوا وتأثروا مثلنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • دونا النقريني

    مهاتير محمد أبو النهضة في ماليزيا وصانعها ..بعد 21 سنة في خدمة ماليزيا ترك الحكم باختياره ورفض كل مناشدات شعبه من أجل البقاء في الحكم..وهو يعيش كمواطن عادي في منزل بسيط متواضع كباقي الماليزيين.
    لم يسعى إلى توريث ابنه ولم يقتل شعبه ولم يصفهم بالجرذان أو الجراثيم والمندسين… ما أحوج الوطن العربي إلى مثل هذا الرجل الفذ النادر
    الف مليار تحية لاهل ماليزيا العظماء

  • دونا

    لم يتركوا شيئا للجزائر ولا لشعبها الا الزمات والمشاكل والسرقات والاحزان ونقص السيولة والارهاب والحرقة لا سامحهم الله حسبنا الله ونعم الوكيل لم يغيروا شيئا علي الاطلاق
    هل هذا الذي انتقل الي العالم الاخر ابو القنبلة الذرية الجزائرية -عبد القدير خان هو ابو القنبلة الذرية الباكستانية بجدارة -ام هو صاحب المعجزة الاقتصادية الجزائرية -ابدا ابدا
    هؤلاء البشر قدموا خدمات لابنائهم فهم يدرسون بامريكا وفرنسا والمانيا وهولاندا -يحملون جنسية اوروبية وليست جزائرية للاسف الشديد- ويسكنون هناك

    كفاكم تملقا ومدحا في غير محله
    يا جزائرنا لك الله لك الله لك الله