الرأي

غشاشون إلى الأبد!

جمال لعلامي
  • 1046
  • 2
أرشيف

استباق امتحانات البكالوريا، بالحديث عن إجراءات “قمع ومكافحة” الغشّ، وقطع الانترنت وتشديد التفتيش عند مداخل المدارس، هو مؤشر إن دلّ فإنما يدلّ، على الخوف أو التخويف من تكرار سيناريو السنة الفارطة، حيث تحوّل “الفايسبوك” إلى خطر حقيقي يتربّص بمصداقية الامتحانات وسمعة “بقايا” البكالوريا!
يغضب البعض عندما يتم الحديث عن “بقايا مصداقية”، والحال، أن الواقع والوقائع، تثبت بالجملة والتجزئة، أن البكالوريا لم تعد تلك الشهادة التي تصنع الأفراح والأتراح في نفس الوقت، والدليل انتشار وتفشي المثل القائل “ألـّي قرا قرا بكري”، وسط المترشحين، وحتى المتفوّقين منهم!
السابقون واللاحقون من الناجحين في البكالوريا، إلى “أسوار الحيطيست”، وتصاعد عقلية المادة و”البزنسة”، وتراجع “سمعة” الجامعة، والمشاكل التي تواجهها النخبة والإطارات في مختلف القطاعات، و”نجاح” جيل محظوظ لا يملك شهادات ولا دراسات، كلّ هذا وغيره، قتل روح الولاء للعلم والتعلّم، فأصبح الراسبون والناجحون يفكرون في مسارات أخرى!
حدثني أحد المخضرمين وشدّني ببلاغته وحكمته وخبرته فقال: أغلب الناس يفسرون “الرزق” على أنه المال فقط، ولكن الحقيقة ليست هكذا، فالصحة رزق أيضا، والعلم رزق، والمنصب رزق، والراحة رزق، ومحبّة الناس رزق، والاحترام رزق، والأبناء رزق، والزوجة الصالحة رزق، وهذه كلها قد تتوفر عند هذا وتغيب عن ذاك!
فعلا، صدقتك أيها المحترم، وأزيدك قولا: قديما كان كلّ من استيقظ وخرج من بيته قال: “يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم”، وهو الدعاء المأثور الذي مازال يسكن ألسنة الكثير من الناس والحمد لله، لكن جزءا كبيرا استبدله بعبارة أخرى: “اليوم عندي أفيرة”، وبعضهم يستعين بالعليّ القدير عند شروعه في التخطيط لعملية نصب واحتيال، ومنهم من يردّد “توكلنا على الله” وهو بصدد إدخال يده في جيب أخيه أو حتى نحره!
هذه التحوّلات التي نقلتنا من “المعنويات” إلى “الماديات”، قتلت أيضا تعلق التلاميذ بالدراسة، فشاع الغشّ في الامتحانات، انطلاقا من الغشّ الذي يضرب كلّ الأماكن في كلّ القطاعات، فهذا غشّ في العلاقات الزوجية، وغش في العمل، وغش في التكوين، وغش في الاستيراد، وغشّ في السياسة، وغش في الجامعة، وغش في الإدارة، وغشّ في البناء والأشغال العمومية، وغشّ في الصوم والصلاة، وغشّ مع الذات!
مشكلتنا أن بعضنا تفّه التعليم، فتساوى عنده الجاهل -وحاشى الأمّي – والمتعلم، وصدق من قال “أعطهلي فاهم والله لا قرا”، لكن أن يكون “لا فاهم ولا قاري”، فهذه الطامة الكبرى!

مقالات ذات صلة