غلام الله في تركيا!
نقلت بعض التقارير الإعلامية يوم أمس، خبر إمام في تركيا، انهال عليه المصلّون بعد التراويح مباشرة ضربا وركلا، فأدخلوه المستشفى مكسور الذراع والخاطر، وأضافت تلك التقارير أنه لولا قلة من “العقلاء” الذين صلّوا وراءه، ونجحوا في إنقاذه لكان الإمام في هذه اللحظات ضمن عداد الموتى!
أما عن السبب الذي أغضب جموع المصلين، وأخرجهم عن حالة الخشوع لينهالوا على الإمام ضربا وركلا حتى التهديد بقتله، ناهيك عن سبه وشتمه، فلأنه صلى بهم التراويح في عشر دقائق.
ورغم أن التقارير التي تناولت هذه الحادثة الغريبة لم تخبرنا شيئا عن سبب استعجال الإمام، وما إذا كان مرتبطا بموعد مثلا، أو ساعيا لتحطيم رقم قياسي عالمي، أو ربما باحثا عن “الضرب”..إلا أن تفاصيل الواقعة، تعيدنا محلّيا للتعليق مجددا على تعليمة وزارة الشؤون الدينية عندنا بالجزائر، حين هددت هذه الأخيرة بمعاقبة الأئمة في حال إطالة التراويح لا تقصيرها، ولمحت ثم أفصحت بإنزال عقوبات ضد جميع من تسوّل له نفسه المؤمنة مخالفة الإدارة الأمّارة بالسوء، كما طالبت بتحديد نوايا الراغبين في قيام الليل وأداء صلاة التهجد من خلال إبراز بطاقات تعريفهم.. فأي فرق بيننا وبين الأتراك؟ خصوصا أن هؤلاء يوصفون بالعلمانيين المتشددين، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكفر أي شخص هناك ولو الإمام، أو حتى رئيس الجمهورية، بعلمانية الدولة ويدعو لتطبيق مزيد من تعاليم الشريعة في الحياة اليومية!
أما نحن في الجزائر، فلا نترك فرصة إلا ونُبرز فيها إسلامنا الرسمي ناصع البياض، ونزايد على الآخرين بعدد المساجد التي بناها الزوالية وتخلت عنها الدولة، كما نتباهى أمام العالم بجامعنا الأعظم الذي لا يريد أن يكتمل، وجائزتنا الدولية لحفظ القرآن، ونشجّع الزوايا ونفتخر بعدد مريديها بالملايين في بلاد السند والهند، ونتحدث عن المدارس القرآنية وكأننا جئنا بما لم يأت به السابقون واللاحقون..كما يخشى الواحد أن يجاهر بعلمانيته رغم أنه يمارس أبشع منها في السر..وغيرها من السلوكات التي تجعلنا ونحن الذين ندّعي أن الإسلام دين الدولة بنص الدستور بعيدون جدا في الممارسات الدينية والأخلاقية عن تركيا العلمانية، حتى لا نقول عن الغرب الكافر الذي قال عنه أحد الإصلاحيين..ذهبت لأوروبا فوجدت إسلاما من غير مسلمين وجئت لبلاد العرب فوجدت مسلمين من غير إسلام!!
وبالعودة لقصة الإمام التركي الذي صلى التراويح في 10 دقائق، فيبدو، والله أعلم أنه أراد تطبيق تعليمة غلام الله في بلاد الأناضول، دون أن يدرك خطورة الأمر وتداعياته، ومن منطلق جهله التام بأن غلام الله مثل جميع زملائه في الحكومة لا ينفعون لإدارة شؤون الرعية سوى في الجزائر، أما خارجها، فكل تعليماتهم واجتهاداتهم تعدّ خطرا على البشرية عموما…وقد أعذر من أنذر!
لا نعرف، لكن ربما فكرت الجزائر في تصدير تجربتها لتسيير قطاع الشؤون الدينية لتركيا حتى تستعيد علمانيتها، ولا نعتقد هنا بأن الجزائريين سيمانعون أو سيرفضون فكرة نزول غلام الله ضيفا على الدولة العثمانية سابقا ولو لبضعة أيام، حتى ينقل لهم تجربته الناجحة في تقصير الصلوات بما فيها التراويح، وخفض صوت الآذان حتى لا نزعج “السوبر مواطنين”، ناهيك عن مراقبة من يصلون النوافل دون الفرائض، ويصومون في شعبان وشوال ناهيك عن رمضان..وإن أراد الأتراك توسيع خبرتهم في قطاع الحج والعمرة، فلن يجدوا أفضل من ديوان الصالحين الجزائري، حيث يشهد له، ما فعله بحجاجنا ومعتمرينا خلال الأعوام الماضية، حتى بتنا أسوأ الوفود في السعودية وأحسنها في نظر حكومتنا، وذلك هو الأهم والأتقى..والله أعلم!