-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

.. فأرسل فرعونُ في المدائن حاشرين

حسين لقرع
  • 4632
  • 4
.. فأرسل فرعونُ في المدائن حاشرين

يحلو للفلول والعلمانيين وقوى البغي هذه الأيام أن تشبّه الجنرال السيسي بجمال عبد الناصر، وهو تشبيهٌ مبالغٌ فيه، وينطبق فقط في نقطة نزوعهما إلى الاستبداد واضطهاد الإخوان المسلمين.

عدا ذلك، فإن عبد الناصر كان متخندقاً في صف الأمة، محارباً من أجل فلسطين، مؤكدا أنها قضية العرب الأولى، ولم يفاوض أو يتنازل أو يبِع القضية ويوالي الصهاينة والأمريكيين إلى أن وافته المنية، في حين يقف السيسي على الطرف النقيض؛ إذ بادر فور انقلابه إلى إعادة إغلاق معبر رفح وتدمير ما بقي من الأنفاق، ليشارك بذلك في جريمة الحصار الصهيوني لغزة كما كان يفعل مبارك، كما سمح لأبواق الفتنة الإعلامية بشن حرب قذرة على حماس، واعتبر التواصلَ معها “تخابراً” وجريمة يُحاكم عليها صاحبُها، فأين هو وجه الشبه في هذه المسألة بين من أقضّ مضاجع الصهاينة فاحتفلوا بوفاته في 1970، وبين من أثلج انقلابُه صدورَهم فخرجوا للاحتفاء به؟

التشبيه الحقيقي يأتينا من خلال استحضار مثل شهير في التاريخ الفرعوني المصري؛ إذ شعر فرعون بالغيظ لازدياد عدد أتباع موسى، برغم كل ما فعله لإذلالهم واستحياء نسائهم، فقرَّر إبادتهم، وأراد الحصول على تفويض شعبي لقراره قبل منح الضوء الأخضر لجيشه بالقضاء عليهم “فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون”، وبرغم محاولة موسى وأتباعه تجنُّب المواجهة والخروج من مصر، إلا أن فرعون وجنوده تبعوهم وعزموا على إبادتهم، فانتقم الله منهم أجمعين بأن أغرقهم ثم نجى بدنَ فرعون ليُحفظ إلى الآن في متحف بالقاهرة ويكون عبرة للناس إلى يوم الدين.

ويبدو أن آخر فراعنة مصر لم يستخلص أي عبرة من هذا الحدث التاريخي العظيم، ولم يحذر من عواقب البغي والطغيان والجبروت، فانقلب على رئيسه الذي عيّنه، ونكّل بأتباعه، ثم أغاظته مظاهراتُهم واعتصاماتهم وثباتهم منذ شهر على مطلبهم بالعودة إلى الشرعية، فأرسل بدوره في مدائن مصر ليحشر الناس يوم 26 جويلية الماضي ويطلب منهم تفويضاً للقضاء على هذه “الشرذمة القليلة” ويتهمها بممارسة “الإرهاب الأسود؟”، وقام “سحرته الإعلاميون” من أبواق الفتنة والتضليل، بتحويل أقل من 4 ملايين متظاهر إلى 30 مليوناً، عبر التهويل وتقنية الفوتوشوب، ما جعل العالم يرى حبالهم حيّاتٍ تسعى.

كما أوعز آخرُ الفراعنة إلى جنوده وشرطته وشبيحته “البلطجية” بإطلاق الرصاص الحي على المعتصمين، وارتكاب مذابح عديدة بحقهم لجرّهم إلى المواجهة بغية إيجاد ذريعة لسحقهم عسكرياً، ولما تمسكوا بسلميتهم وأصرّوا على تجنب الانزلاق إلى العنف والفتنة، قرر مهاجمة اعتصاماتهم في الميادين لفضها بالقوة، غير آبهٍ ببحر الدماء التي يمكن أن تسيل بسبب قراره هذا.

وإذا كان فرعون موسى قد غرق في اليمّ جزاء طغيانه وجبروته وإصراره على إبادة من لا يعترفون بأنه “ربّهم الأعلى”، فإنه يتعيّن علينا الانتظار الآن لمعرفة كيف سيغرق آخرُ فراعنة مصر ليكون بدوره عبرة للعالمين، ويبدو أنه سيغرق في بحر الدماء التي يتعطش لسفكها وستكون وبالاً عليه وينقلب عليه السحر، ذلك أن مهاجمة مئات الآلاف من المعتصمين ستعني وقوع مجازر رهيبة يسقط فيها آلافُ القتلى والجرحى، ولا نعتقد أن السيسي سيستطيع بعدها حكم مصر وأن شعبها سيسكت أبداً عن المذبحة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • hamdi

    great analogy . may Allah bless the people of Algeria

  • afaf

    هؤلاء الانقلابيين ومن معهم ليسوا علمانيين ولاليبيراليين ولا... انما هم انتهازيين اصحاب مصالح خاصة ضيقة خافوا ان يحاسبهم يوما ما النظام الشرعي للبلد . لسان حالهم يقول للفرعون السيسي:إنا لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم لمن المقربين*لكن في النهاية وقع الحق وبطل ما كانوا يعملون.

  • ملاحظ

    لا فظ فوك

  • Dr Mohna3li

    شكرا على هذه المقارنة التي استوفت جميع الشروط.
    نهاية الطغاة و الظلمة بائسة و درماتيكية و ما ينتظرهم يوم القيامة أشد.