الرأي
في صحبة موسى والخضر

فذلكة في الغنوص والحلول و”النّرفانا”

أبو جرة سلطاني
  • 1112
  • 2

يقول أبو حامد الغزالي: “ولا يبعد أيّها المعتكف في عالم العقل، أن يكون وراء العقل طورٌ آخر يظهر فيه ما لا يظهر في العقل، كما لم يبعد كون العقل طورًا وراء التّمييز، فلا تجعل أقصى الكمال وقفًا على نفسك…”، ويضرب مثالا على ما يفترضه ما وراء التّمييز، ليصل إلى قوله تعالى: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير)) (المجادلة: 11)، ليقرّر في مقدّمته الثّانيّة أنّ العلم فوق الإيمان وليس قبله، لأنّ الفرق واضح بين الفوقيّة والقبليّة، وهو ما لا يخفى على عالم بحجم صاحب الإحياء، فيقول: “والعلم فوق الإيمان، والذّوق فوق العلم، والذّوق وجدان والعلم قيّاس، والإيمان قبول مجرّد بالتّقليد وحسْن الظّن بأهل الوجدان أو بأهل العرفان، وإذا عرفت هذه الأرواح الخمسة (السالف ذكرها)، فاعلم أنها بجملتها أنوارٌ؛ إذْ بها تظهر أصناف الموجودات والحسّي والخيالي منها، وإنْ كان يشارك البهائم في جنسها، لكنّ الذي للإنسان منها نمط آخر أشرف وأعلى…” (ا.هـ من رسائله).

– العلم فوق الإيمان.

– والذوق فوق العلم.

– والذّوق وجدان والعلم قيّاس.

– والإيمان قبول مجرّد بالتّقليد وحسْن الظّن بأهل الوجدان وأهل العرفان.

هذه بعض الفروق الدّقيقة التي تحتاج إلى تفصيل ليعرف أهل الإيمان طبيعة العلم الذي آتاه اللهُ الخضرَ، وطبيعة الوحي الذي شرّف الله به موسى –عليه السّلام- لتتحدّد الفواصل بين علم تعبّدنا الله به وعلم نستأنس به الطّريق إذا تأكّد لنا أنّه رحمة من ربّنا.

يدوّن الإمام أبو حامد الغزالي النتيجة المربكة للسّياق العام -بعد كلّ هذه المقدّمات- بالقول الصّريح: “وأمّا الخامس: وهو الرّوح القدسيّ النّبويّ، والمنسوب إلى الأوليّاء. وإذا كان في غاية الإشراق والصّفاء وكانت الرّوح المفكّرة منقسمة إلى ما يحتاج إلى تعليم وتنبيه ومدد من خارج، حتّى يستمرّ في أنواع المعارف، وبعضها يكون في شدّة الصّفاء كأنّه تنبيه من نفسه بغير مدد من خارج.. إذْ في الأوليّاء من يكاد يشرق نورُه حتّى يكاد يستغني عن مدد الأنبيّاء، وفي الأنبيّاء من يكاد يستغني عن مدد الملائكة” (ا.هـ. مشكاة الأنوار: 306).

هل يعقل أن يكون من الأوليّاء من يكاد يُشرق نورُه حتّى يكاد يستغني عن مدد الأنبيّاء؟! ويختم رسالته بالقول: “وجاوز هؤلاء طائفة منهم خواصّ الخواصّ فأحرقتهم سبُحات وجه الأعلى، وغشيّهم سلطان الجلال وانمحقوا وتلاشوا في ذاتهم، ولم يبْقَ لهم لحاظ إلى أنفسهم لفنائهم عن أنفسهم، ولم يبقَ إلاّ الواحد الحقّ، وصار معنى قوله: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)) (القصص: 88)، لهم ذوقا وحالاً” (مشكاة الأنوار: 113).

وددت لو أنّ الشّيخ الإمام أعرض عن الخوض في هذه الخضخاضة التي قد يفهم هو منها الفروق بين العلم والذوق والإيمان والوجدان والتّقليد والعرفان والإشراق والسُّبحات.. لكنْ ما كلّ ما يُعلم يقال إلاّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به، وما كان واجب البيان لحاجة الدّين إليه، ولو كان ذوقا وحالاً كما تسمّيه الصّوفية، ودون هذا فالتّوسّط عقيدة أهل الإيمان والبعد عن التّكلّف عبادة راقيّة وخلق قويم: ((قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)) (ص: 86).

مقالات ذات صلة