فرنسا... لا صاحب لها
فرنسا التي منعت الحجاب في مؤسساتها والنقاب في شوارعها، تعرّى رئيسها نيكولا ساركوزي أمام العالم بعد هروب صديقه زين العابدين بن علي وأضحت بذلك بلدا بلا قناع
-
فهي ليست عدوة للشعوب المغاربية فقط، بل أيضا لحكامها، وهي بالرغم من أنها بلا أعداء في مستعمراتها القديمة فقد أعلنتها الآن صراحة بأنها لن ترضى عنهم حتى ولو اتبعوا ملّتها كما كان الشأن مع الهارب زين العابدين بن علي، وكما كان الشأن مع آلاف الحركى في تونس والجزائر والمغرب الذين باركوا استعمارها لبلدانهم فحولتهم إلى أذرع في حروبها ضد الثوار، وحبرا سريا خطت به مقاومتها للنازية، وإذا كانت فرنسا هي التي أرضعت مرحلتي بورقيبة وزين العابدين من حليبها المسموم، فقال جيسكار ديستان أن الحبيب هو حبيب شعبه، وقال شيراك أن ما قام به زين العابدين هو معجزة تونسية، وأسماه ساركوزي بأحسن صديق في دول العالم الثالث، وفي أول سقوط لهذا “المعشوق” حتى رفضت فرنسا أن “يلطّخ” الزين وحاشيته وأهله أراضيها بأقدامهم التي نجّسها دم محمد البوعزيزي، وكنست كل آثار العهد “العابديني” في فرنسا، وكأن فرنسا جنة الفردوس ومحيط بن علي أباليس الزمن الحديث.
-
إذا كان هذا مصير الذي كانت قبلته برج إيفل وصلاته في قصر الإليزيه، فالأكيد أن الذين جعلوا فرنسا شِعرهم الذي يرتلونه كالصلاة بتسابيح من حنايا فرنسا لن يكون مصيرهم أحسن من زين العابدين بن علي عندما “عافت” فرنسا استقباله و”تقيّأت” أبناء عمومته الذين عششوا في باريس يصرفون الملايير في الملاهي وفي صالات التجميل وعلى حسناوات وقبيحات فرنسا.
-
أجمل ما في الثورات وفي الأحداث الساخنة أنها تكشف الرجال وأشباه الرجال، وأقبح ما فيها أن لا تعتبر الشعوب والدول من هاته الصور المكشوفة.. ولن تكون مفاجأة لو أنجزت فرنسا في الأشهر القادمة موقعا على طريقة ويكيليكس وأمطرت عشاقها الجنوبيين بوثائق تكشف هيامهم بها وتكبّرها عليهم وحينها ستكون الفضائح أفجع، فإذا كانت وثائق ويكيليكس بنسختها الأمريكية قد طردت بن علي من تونس فإن وثائق ويكيليكس بنسختها الفرنسية ستطرد حكاما وحتى شعوبا من بلدانهم وسترفض طبعا فرنسا استقبالهم على أراضيها… هكذا هي فرنسا أحِبّوها كما شئتم.. إملأوا بنوكها بأموالكم.. شيّدوا على أراضيها قصوركم.. بِيعوا لأجل إرضائها أوطانكم وأعراضكم.. إحفظوا قاموسها اللغوي عن ظهر قلب، فهي لن تنفق عليكم أكثر من جملة “أنتم غير مرغوب في وجودكم على أراضينا” كما فعلت مع أبناء عمومة زين العابدين.. هكذا هي فرنسا تعاطفت مع بوكاسا الذي قتل حوالي خمسمائة طالب جامعي من إفريقيا الوسطى عندما ثار عليه شعبه، وتعاطفت مع عيدي أمين الذي كان يشتهي لحم الأوغنديين عندما طرده شعبه، وتعاطفت مع عمر بانغو الذي أفقر الغابون التي هي أغنى البلاد الإفريقية عندما رفضه شعبه، ولكنها مع زين العابدين وأشباهه من العرب والمسلمين ومن مستعمراتها القديمة بالخصوص تعاملهم كما عاملتهم عندما استعمرت أراضيهم وهي مقتنعة أنهم كانوا ومازالوا وسيبقون عبيدا لها.