الرأي

فرنسا مستمرة في إهانتنا!

رشيد ولد بوسيافة
  • 3153
  • 5

ماذا يعني أن تصادق الجمعية الوطنية الفرنسية على قانون للاعتذار إلى الخونة الجزائريين في عز النّقاش الدّائر حول ملف الماضي الاستعماري في الجزائر؟ وهل ننتظر أكثر من هذا لنفهم أنّ الدّوائر الرّسمية الفرنسية وغير الرسمية لا يمكنها التّفكير ولا التّصرف خارج دائرة المدرسة التّاريخية الاستعمارية التي لا تعترف بأمة اسمها الجزائر وأن هذه البلاد كانت أرضا بلا شعب؟
ويمكن القول إنّ القضية داخلية في فرنسا باعتبار أنّ الموضوع يتعلق بالجزائريين “الحركى” الذين غادروا الجزائر عشية الاستقلال متخلين عن وطنهم باحثين عن وطن جديد لعله يكافئهم على تضحيتهم بالشّرف والكرامة، وخيانتهم لوطنهم الأم، لكنّ المبادرة بهذا القانون تعني أن فرنسا الرسمية ليست مستعدّة للاعتراف بالماضي الإجرامي وأن نظرتها للتّاريخ محصورة ضمن الأدبيات التي تركتها المدرسة التاريخية الاستعمارية.

فيما تطالب الجزائر منذ مدة عبر تصريحات الرّسميين وعبر خطابات النّخبة السّياسية والإعلامية بضرورة الاعتراف والاعتذار والتّعويض عن الجرائم المرتكبة من قبل فرنسا على مدار 132 سنة، يبادر فرنسا الرسمية بالاعتذار إلى “الحركى” وتكريمهم وتعويضهم عن المعاملة المشينة التي تلقوها عندما سافروا إلى فرنسا حين تم وضعهم في مزارع ومستودعات لا تصلح إلا للحيوانات.
والأخطر من هذا كله أن برقية وكالة الأنباء الفرنسية التي أوردت خبر المصادقة على قانون الاعتذار إلى “الحركى” قالت بالحرف “بعد ستين عاما من نهاية حرب الجزائر (1954-1962) التي أسفرت عن نحو 500 ألف قتيل، جاء القانونُ ليشكل ترجمة تشريعية لخطاب ألقاه الرئيس إيمانويل ماكرون في 20 سبتمبر في قصر الإليزي أمام ممثلي هؤلاء الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي. لكن فرنسا تخلت عنهم”.

وفي هذا تشويهٌ كبيرٌ للتاريخ وقفزٌ على الحقائق بإعطاء حصيلة غريبة للثّورة التحريرية أو “حرب الجزائر” كما تسميها الأدبيات الفرنسية بما لا يتجاوز نصف مليون قتيل من الجانبين، والهدف من وراء هذا التمييع هو محاولة القفز على المسؤولية الجنائية التي تقع على عاتق فرنسا بالادِّعاء بأن الأمر يتعلق بـ”حربٍ” وقعت في الجزائر وأن ضحاياها من الطرفين، وعددهم محدود، ولا حديث عن تلك الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في حق شعب بأكمله في عملية إبادة وحشية استُخدمت فيها الأسلحة المحرمة دوليا.

إنّ أقلّ الواجب أمام هذا التعنت والإمعان في الإهانة من قبل المؤسسات الرسمية الفرنسية هو وقف أي تنسيق أو تجاوب مع المسؤولين الفرنسيين في موضوع الذاكرة، والتقرير الذي قدمه المؤرخ بن جامين ستورا إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يثبت حقيقة النظرة الاستعلائية للفرنسيين إلى الجزائر وتاريخها.

مقالات ذات صلة