الرأي

فصاحة كبش

عمار يزلي
  • 3471
  • 12

وجدت نفسي‮ ‬يوم النحر،‮ ‬في‮ ‬مواجهة مشكلة لم أعهدها من قبل‮: ‬الكبش‮ ‬يتكلم‮! ‬ويتكلم لغة عربية فصيحة أحسن من عربيتي‮! ‬عرفت هذا بعد أن تقدمت منه مخفيا شفرتي‮ ‬وراء ظهري‮.. ‬

لأول مرة‮ ‬ينطق ويتكلم‮! ‬فقبل‮ ‬يومين،‮ ‬كان لا‮ ‬يعرف‮ ‬غير بعععع‮.. ‬مثله مثل الآخرين،‮ ‬لغة عالمية فصيحة بين المواشي‮.. ‬صحيح أنها لغة ركيكة في‮ ‬الأسلوب والمعاني‮ ‬ومكسّرة القواعد النحوية والصرفية،‮ ‬كدارجتنا المفرنسة،‮ ‬لكنها لغة‮.. ‬لا‮ ‬يفقهها إلا من تفقه في‮ ‬لغة الكباش‮.. ‬وأنا لست فقيها في‮ ‬هذا المجال‮.. (‬ولا في‮ ‬غيره‮)‬،‮ ‬لكن أن‮ ‬يحدثك كبش بلغة فصحية،‮ ‬فهذا ما‮ ‬يأخذ بلبّك ويطير عقلك من مخك،‮ ‬إن كان لايزال باق معك عقل في‮ ‬زمن الجنون هذا‮!‬

قال لي‮ ‬بفصيح العبارة‮: “‬لا داعي‮ ‬لإخفاء الشفرة،‮ ‬أنا أعرف أن هذه هي‮ ‬نهايتي‮ ‬وبداية عهد بحياة جديدة،‮ ‬أحسن من حياتكم هذه‮”! ‬أصابني‮ ‬دوارٌ‮ ‬وشبه صدمة كهربائية،‮ ‬كأنما لامسوني‮ ‬مع تيار‮ ‬380‮ ‬فولط‮!.. (‬فولطا العليا‮!).. ‬بقيت فاتحا فمي‮ ‬لعدة دقائق وقد عدت للخلف ورحت أقرأ ما أحفظه من القرآن والتعوّذ قبل أن أقول له‮: ‬من تكون؟ قال لي‮: ‬كبش مثقف بلغتكم‮. ‬قلت له‮: ‬من أين لك هذا؟ قال لي‮: ‬لست‮ ‬غنيا ولا ثريا ولا ناهب أموال الدولة حتى تسألني‮ ‬هذا السؤال‮. ‬قلت له‮: ‬أنت إنس أم جن؟ قال لي‮: ‬قلت لك‮: “‬أنا كبش‮”. ‬قلت له‮: ‬الكباش لا تتكلم ولا تعرف العربية‮. ‬قال لي‮: ‬ليس كل من‮ ‬يعرف العربية إنسان،‮ ‬وليس كل من لا‮ ‬يعرفها حيوان‮! ‬لقد تربيت في‮ ‬زريبة لا آكل إلا الجرائد‮! ‬مالكي،‮ ‬كان لا‮ ‬يطعمني‮ ‬إلا ورق الجرائد،‮ ‬ومن كل عناوين المسترجعات التي‮ ‬كان‮ ‬يشتريها بالقنطار‮! ‬لا آكل لا برسيما ولا شعيرا ولا أرعى حشيشا ولا شيحا ولا حلفاء ولا‮ “‬قضيم‮” ‬ولا حتى علف الدجاج لشركة‮ “‬لوناب‮”! ‬آكل الجرائد كمن‮ ‬يقرؤها‮. ‬قلت له‮: ‬واقيلا صرت صحفيا بالأكل‮! ‬أو بالوكالة‮ (‬الأنباء‮)‬،‮ ‬أو بالتوكل أو بالاتكال‮! ‬قال لي‮: ‬بل بالتآكل‮! ‬تآكلت حتى صرت أعرف اللغة العربية والفرنسية وحتى الإنجليزية‮. ‬قلت له‮: ‬معنى هذا،‮ ‬أنك لا تجوز للأضحية؟ خسّرتني‮ ‬في‮ ‬4‮ ‬ملايين سنتيم؟ ماذا سأفعل بك الآن؟ أطلق سراحك،‮ ‬أم أعيد بيعك؟ أم أذبحك وأجري‮ ‬على الله‮! ‬أضحي‮ ‬بصحفي؟ قال لي‮: ‬وعلاه أنت خير من داعش؟ اعتبرني‮ ‬بريطانيا أو أمريكيا‮.. ‬ويالله‮… ‬اتكل على الله وكول لحم أخيك ميتا‮.‬

لم أفق إلا على ذبحة بالموس في‮ ‬يدي‮ ‬اليسرى،‮ ‬وأنا أسلخ كأيّ‮ ‬هاو لأول مرة كبشا،‮ ‬تركت من‮ “‬الكوطليت‮” ‬نصفها‮ ‬يذهب مع الهيدورة‮!  ‬

مقالات ذات صلة