الرأي

فكر سياسي ما بعد كوفيد 19!

محمد سليم قلالة
  • 541
  • 6
ح.م

يُفتَرَض أنَّ حالة الوباء التي نعيشها اليوم، والوضعية الاقتصادية الهَشة التي أصبحت عليها أغلب شرائح المجتمع، وما آلت إليه الأوضاع في أغلب بلاد العالم، تدفعنا إلى إعادة صوغ فكرنا السياسي بشأن طبيعة الدولة والظاهرة الحزبية والمعارضة والسلطة والقضايا الاجتماعية والثقافية الأخرى التي ما فتئنا نعتبرها ذات أولوية، فضلا عن طبيعة علاقتنا الدولية. ذلك أن الكثير من المصطلحات والممارسات السياسية التي نعتبرها اليوم غاية لا بدَّ منها، ستُصبح في قادم السنوات متخلفة عن عصرها، إن لم يكن قد تجاوزها الزمن تماما.

إن مصطلحات كالمعارضة والسلطة، والعلاقة بينهما والتعددية السياسية والحزبية، والارتباط بين السياستين الداخلية والخارجية، وحرية الإعلام، وحقوق الإنسان، ووحدة القيم الأخلاقية والدينية والثقافية بين أبناء الأمة بما في ذلك الموقف من الدين واللغة، واستقلالية الاقتصاد الوطني… ناهيك عن القيم السياسية كالعدالة والحرية والمساواة وما ارتبط بها من قيم تابعة كالنضال والتنظيم والاستقلالية… ستأخذ محتوى آخر بَدَت معالمه تتشكل قبل اليوم، ولكنها ستتبلور أكثر بعد هذه السنة مع بروز أنماط جديدة للتعامل السياسي والاجتماعي ما بعد “كوفيد 19″…

لقد مكنتنا تجارب دولية مقارَنَة بين الصين وروسيا وتركيا من جهة، والأنظمة الرأسمالية المتقدِّمة من جهة أخرى من الكثير من الدروس وحَمَلَتْ معها الكثير من الإشارات ذات الطبيعة المستقبلية. كما قدّمت لنا تجارب من دول جنوبية أخرى خلاصاتٍ يمكن الاستفادة منها بِغضِّ النظر عن طبيعة النظام السياسي الذي حَكَم هذه الدول ودرجة التعددية الحزبية والحريات بها.

ولعلنا يمكن إجمال ما يمكن اعتباره ذا تأثير في فكرنا السياسي فيما يلي:

ـ أن التعامل مع الوباء لم تحكمه الطبيعة الإيديولوجية للدولة، إنما مركزيتها ومدى صلابة اقتصادها. كان ذلك سواء بسواء بالنسبة للدول التي بها حزبٌ واحد أو تقوم على التعددية. الدول التي توصف بالديمقراطية الليبرالية (مثل الدول الغربية)، أو تلك التي تحكمها القيادة الواحدة (مثل الصين وروسيا).

ـ أن التعددية السياسية في الدول الجنوبية لم تكن عاملا مهما في التأثير على الحدّ من تبعات الوباء وبخاصة انعكاساته السلبية. والتجربة التونسية خير مثال على ذلك (نجاح التعددية لم يحلّ مشكلات الفقر و”الحرقة” والبطالة… الخ).

ـ يمكن للتعددية السياسية، أن تعيد توزيع المصالح بين مراكز القوى، ولكنها لن تؤدي بالضرورة إلى حلِّ أزمة الشرعية والعدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون، وبخاصّة مواجهة الأزمة الاقتصادية وتمكين الشباب من الشغل ومن تخطي مختلف الصعوبات التي يعرفونها؛ أي أنها قد تكون هي الأخرى وهما من الأوهام.

ـ تميزت الدول التي نجحت في التعامل مع الوباء وتداعياته إما بغياب كلي للمعارضة (الصين، كوريا الشمالية)، أو بوحدة المعارضة مع السلطة بشأن التعامل الخارجي خاصة (روسيا، تركيا، أوروبا الغربية).

ـ اضطرَّت الدولُ الديمقراطية إلى اللجوء إلى أساليب غير ديمقراطية لتسيير الأزمة كما هو الشأن في أوروبا الغربية والولايات المتحدة. مما أدى بها إلى إعادة النظر في مفاهيم قاعدية كالحرية والمساواة والعدالة، وأرغمت الناس على تقبُّل سلطة الدولة المركزية رغم قسوتها.

هي ذي بعض الإشارات التي تقول بضرورة الخروج من قوالب التفكير السائد ما قبل “كوفيد 19″، إلى فكر سياسي يعيد قراءة التجارب وتعريف المصطلحات والممارسات، حتى نستبق حالة يأسٍ آخر قد تكون قادمة في الأفق، عنوانها الوصول إلى ديمقراطيةٍ وتعددية فاتها الأوان أو بعد فوات الأوان.

مقالات ذات صلة