-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فلسطين وقصة الخيانات المتجددة

فلسطين وقصة الخيانات المتجددة

ضمن أجواء مؤتمر مدريد ومتسلحا بنتائج الانتفاضة الأولى قرر ياسر عرفات تجاوز الأنظمة العربية لأول مرة في مسيرته النضالية، فاتجه اتجاها تفاوضيا وفاجأ الجميع بعقد اتفاقيات أوسلو مع الكيان الصهيوني تمت المصادقة عليها في واشنطن في 13 سبتمبر 1993 اعترف فيها بوجود إسرائيل على 78٪ من الأراضي الفلسطينية لكي يقيم في المقابل سلطة فلسطينية وحكما ذاتيا على الأراضي المتبقية، على أن يُؤَجل التفاوض على الحل النهائي وما يتعلق بالقدس واللاجئين وغير ذلك. أثبتت الأيام فساد الخيار التفاوضي، حيث خادعت الدولة الإسرائيلية القيادة الفلسطينية ولم تمنحها شيئا مما تعهدت به مما أعطى المصداقية لخيار المقاومة وصعود الحركات المقاوِمة وعلى رأسها حركة حماس وذراعها العسكري كتائب عز الدين القسام. وفي سبتمبر 2002 اندلعت الانتفاضة الثانية على إثر تدنيس أرييل شارون ساحات المسجد الأقصى فكانت انتفاضة شديدة غلب فيها الطابع العسكري، استطاع المقاومون أثناءها وإلى غاية 2005 إلحاق خسائر كبيرة بالإسرائيليين لم يعرفوها من قبل طيلة تاريخ مواجهتهم للجيوش العربية فقتل من الإسرائيليين 1069 وجرح 4500 وقدم الفلسطينيون 4412 شهيد و48322 جريح، وحتى ياسر عرفات نفسه لم يقطع الصلة بأذرعه المسلحة أثناء هذه الانتفاضة مما جعل المجرم أرييل شارون يعزله ويحاصره في المقاطعة في رام الله سنة 2002.

وبدل دعم هذه الانتفاضة المباركة التي ابتكرت أدوات جديدة في مواجهة الصهاينة لا تكلف الجيوش العربية شيئا، راحت الأنظمة العربية كعادتها تدعو لتوقيف القتال، وتزعم الأمر هذه المرة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، حيث أعلن عن مبادرته المشهورة في جريدة الشرق الأوسط فتبناها العرب جميعا في مؤتمر الجامعة العربية ببيروت في مارس 2002.  عرضت هذه المبادرة على الإسرائيليين سلاما شاملا وعلاقات طبيعية مع كل الدول العربية مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها سنة 1967 وفق قرارات مجلس الأمن 242338 وتبعا لتوصيات مؤتمر مدريد.

لم تأبه إسرائيل بهذه المبادرة، ولم تلتزم ببنود اتفاقية أوسلو، وأصبحت هذه المبادرات حجة قوية في الجدال السياسي بين يدي الحركات المقاومة ومن يسندها في العالم العربي والإسلامي وحتى لدى قطاعات كبيرة من غير المسلمين، وعرف الاتجاه المقاوم تصاعدا كبيرا على أرض فلسطين وتعاطفا كبيرا خارجها. غير أن التزامات التنسيق الأمني التي فرضتها اتفاقيات أوسلو والتي أعطتها الولايات الأمريكية المتحدة الأولوية القصوى واعتبرتها هي الحبل الصري الذي يربط الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ضمن مخطط المفاوضات كانت هي بؤرة التوتر ومصنع العداوة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس وحركات المقاومة الأخرى. كان الهدف من التنسيق الأمني بالنسبة للصهاينة هو أن يقوم الفلسطينيون في المنظمة والسلطة الفلسطينية بضمان حماية الأمن الإسرائيلي، وطمع الفلسطينيون في السلطة أن يحققوا نتائج سياسية لتثبيت وجودهم على الأرض مقابل ملاحقة المقاومين. مكن هذا  التنسيق من اختراق المنظومة الفلسطينية المفاوضة ذاتها، حيث تمركزت شبكات مُمَكَّنة عميلة عمالة مباشرة للإسرائيليين والأمريكان في مختلف المؤسسات الأمنية الفلسطينية وأصبحت تمثل خطرا حقيقيا على ياسر عرفات نفسه أدت إلى تسميمه واستشهاده على إثر ذلك في أكتوبر 2004. استطاع التنسيق الأمني أن يوجع المقاومة في الضفة الغربية وأن يضعف أداءها، ولكنه عجز عن ذلك في قطاع غزة مما اضطر الكيان الصهيوني إلى الانسحاب منها مدحورا في صيف 2005. وحينما قررت حركة حماس حماية نفسها من التنسيق الأمني بالمشاركة في الانتخابات التشريعية في بداية سنة 2006 فوجئت هي ذاتها، وفوجئ العالم بأسره بشعبية عارمة في كل الأراضي الفلسطينية بينت رفض الشعب الفلسطيني لمسار الاستسلام التفاوضي وحققت لخيار المقاومة أغلبية ساحقة في المجلس التشريعي ألقت على عاتق حماس مسؤوليات كبيرة ضمن أجواء مليئة بالخيانات المتكررة. لم تتوصل حركة حماس إلى اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح ومن خلفها منظمة التحرير الفلسطينية برمتها، واشتد عليها التنسيق الأمني، وخصوصا على ذراعها العسكري وكل الأجنحة العسكرية للنضال الفلسطيني.

 

أصبح العنوان الجديد للتآمر هو الانفلات الأمني الذي كان بطله محمد دحلان وشيعته. أدى تفاقم الوضع في غزة إلى اختيار حماس ما أسمته بالحسم العسكري ومن ذلك الحين دخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة تمثلت في تحول الانقسام من انقسام فصائلي إلى انقسام جغرافي، بسطت حماس سيطرتها على غزة، وهيمنت فتح باسم السلطة والمنظمة على الضفة الغربية. أضعف هذا الانقسام القضية الفلسطينية في المحافل الدولية ولدى كثير من الأنظمة العربية الرسمية، غير أن المقاومة في غزة استفادت بشكل تصاعدي من التعاطف الجماهيري في البلاد العربية والإسلامية والعالم بأسره بتصاعد إنجازاتها في مواجهة الاحتلال الصهيوني عند كل عدوان من سنة 2008، إلى سنة 2012، إلى سنة 2014 في هذا العدوان الأخير. وقد ظهر هذا التعاطف جليا في حملات كسر الحصار التي كان أبرزها أسطول الحرية، والتحاق الكثير من المثقفين والمنظمات المدنية والحقوقية في العالم بالدفاع عن الفلسطينيين في غزة وملاحقة القيادات الصهيونية في المحاكم الدولية. كما تمكنت المقاومة في غزة من تطوير قدراتها العسكرية من خلال تخلصها من شبكات الخيانة والعمالة وما يتصل بالتنسيق الأمني، ومن خلال الدعم المتنوع الذي أصبح يصلها بسخاء فقلبت المعادلة كلية وأنهت كل المخاطر التي أوشكت أن تصفي القضية الفلسطينية وخصوصا ما يتعلق بصناعة القابلية للاستسلام للقوة الإسرائيلية الجبارة التي لا قبل للعرب والمسلمين بها، وما يتعلق بتوسع رياح التطبيع ونزوع أغلب الحكومات الرسمية لتغيير سياساتها تجاه الكيان الصهيوني. لقد أصبحت المقاومة في غزة تشكل خطرا، لا على إسرائيل وحدها، بل على المشروع الغربي الإستعماري برمته وحلفائه في منظومة الحكم العربية مما تطلب الأمر بعث خطط جديدة للخيانة سنعود لشرحها في تتمة هذا المقال [في الحلقة القادمة بإذن الله].

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • بوعلام

    ربما ينصرها الله بآل سلول من بني آل سعود ...واضح أنك من أصحاب الفكر الوهابي الحاقد العميل لأمريكا واليهود الذي دعم الانقلاب في مصر ويدفع الملايير لأمريكا وهي تقتل المسلمين في كل مكان ....هداكم الله أيها المنبطحون

  • بدون اسم

    أصبحت وتيرة سقوط الأقنعة متسارعة ... شكرا على المقال المفيد

  • رابح

    لو لا امريكا إسرائيل لا تفزع ذبابة، ولا تمنع بوما من النعيق ؟

    لم يخل العالم ، عبر كل العصور السابقة واللاحقة من جرائم راح ضحيتها
    الكثير الكثير من الابرياء ، وتراب غزة مجبول بدماء الكثيرين من هؤلاء ،
    حتى صار يئن مع اليتيمة والارملة والثكلى . ان مأساة غزة ليست مأساة
    فلسطينية ، و لا مأساة عربية ، انها مأساة إسلامية .هذه الأمور تدفع الى القول انه يجب تقديم الدعم المالي للمقاومة كي تتطور قدرتها
    الهجومية وتتسع نطاقها وتهز اسرائيل من الداخل اكثر

  • الجزائري

    فلسطين لا ينصرها الله بكم فلسطين لن ينصرها الله بمن يوالي من يبغض عمر بن الخطاب والله مجرد شعارات فارغة تريدون الظهور بشتى الطرق ولو على حساب دم الابرياء نرجو من الله أن يتغمدهم برحمته حتى في الاكفان اعطيتم اللون الاخضر من اجل الظهور وكذا اللون الاصفر لجماعة اخرى فكلكم يسعى للظهور بشتى الطرق ولا احد يسعى ليقنعني سواءا انتم يامقري خونة الجزائر ولا غيرك فامركم واضح جليا فكفاكم تملقا وتميعا وتفلسفا فانتم تحاربون الدين وتريدون النصر

  • محمد عبد الرشيد

    شكرا دكتور تحليل وسرد مركز يكشف عن متابعة المؤمن بقضية المسلمين الأولى , , وقد كشفت المقاومة المتصهينون العرب , الذين هم هم نفسهم الذين وقفوا ضد مقاومة نشأة الكيان الصهيوني
    يقفون اليوم ضد المقاومة , والآن يعاقب الإخوان المسلمون على موقفهم صد الإحتلال الصهيوني في 1948 .
    ما على القوى الإسلامية إلا استرجاع قيادتها الأمة ليتحقق النصر على الأعداء و, وفي الميادين كلها .

  • مصطفى

    لقد خان العرب فلسطين بالأمس وهم يخونون بعضهم بعض نحن على وشك تقسيم الدول العربية إلى دويلات متناحرة وهذا يفكرني والله بسقوط الأندلس في أيامها الأخيرة اين العراق اين سوريا اين ليبيا اين مصر والسودان أيها الناس لن تقوم لنا قائمة حتى نرجع إلى الإسلام الصحيح ونعتصم بحبل الله وتتحد كإخوة الم يقل ذات يوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم على مشارف القدس لخادمه نحن قوم اعزنا الله بالإسلام فان ابتغينا غيره اذلنا الله

  • عاشق المقاومة

    شكرا دكتور على هذا السرد والتحليل