-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في البحث عن “مجْمع البحريْن”

أبو جرة سلطاني
  • 1399
  • 1
في البحث عن “مجْمع البحريْن”

مجمع البحريْن لم يكن مكانا محدّدا في جهة معينة من البحار القريبة من الأرض التي كان يقطعها موسى (ع)، فظلّ يتابع السيّر غير مستسلم لاختفاء موضع لقاء البحرين مخبرا فتاه أنّ الزمن الذي ستستغرقه هذه الرّحلة موقوف على العثور على ضالّته، فلن يترك البحث عنه ولن ييأس من العثور عليه طالما أرشده الله إليه. فوجود رجل أعلم من نبيّ بشهادة ربّ العزّة يستحقّ هذا الجهد، ويستأهل أن تُضرب له أكباد الإبل ويشقّ من أجل مقابلته عباب البحر، ويُصبر على لأواء السّفر حقبا متطاولة.

ولعلّ التّفسير الأقرب لهذا الإصرار هو حرص موسى (ع) على معرفة ما ليس في ألواح التّوراة. فالأصل أنّ وجود الوحي والعقل يغني ويقني، فما حاجة نبيّ إلى علم الكشْف؟ وما عند موسى (ع) وحيٌ هاد بعلم يقين مطلوب منه إذاعته في النّاس دعوةً وبلاغًا من ربّ العالمين. أما ما سيتعلّمه من هذا الذي تلقّى عن الله علمًا ارتقي به في درجات القرب من الغيب فهو الوجه الخفيّ للعقيدة، وليس شرطا للدّعوة ولا للنّشر والإذاعة في النّاس، إنما هو علم كاشف عمّا وراء أسداف الغيب رفع الله للخضر (رضي الله عنه) شيئا من غطائه لتظلّ طلاقة العلم والإحاطة بأسرار الكون من صفات العليم الذي أحاط بكلّ شيء علما وهو بكلّ شيء محيط: “نرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ” يوسف: 76.

فمنتهى العلم له وهو وحده القادر على رفع درجات من يشاء؛ فقد رفع بالعلم درجة آدم (ع) فوق الملائكة (ع) وأسجدهم له سجدة تكريم بعد أنْ علّمه الأسماء كلّها وأمره بإنبائهم بما تلقّاه عن ربّه من علم لم يعلّم ملائكته منه شيئا، فلما أنبأهم بما رفع الله به درجته أقرّوا لله بما هم عاجزون عن إدراكه والإحاطة به إلاّ بما يعلمهم الله: “قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” البقرة: 32، فدّل هذا الإقرار على أنّ العلم والحكمة شيئان مختلفان؛ فالله يؤتي الحكمة من يشاء، فالحكمة تؤتى. ويعلّم من يشاء، والعلم يُعلّم أو يكون رحمة من لدن الله. وهكذا نفهم أنّ موسى (ع) كان يبحث عن علم تلقّاه الخضر (رضي الله عنه) من لدن ربّه رحمة منه.

ـ بداية اللّقاء كانت رحمة أرادها الله لموسى (ع): “آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا” الكهف: 65.

ـ ونهاية اللقاء كانت رحمة شاءها الله للبشريّة جمعاء: “رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ” الكهف: 82.

بلغ المضيُّ تلقاءَ مجمع البحرين مداه، لكنّ العالم لم يكن موجودا بانتظار موسى وفتاه، فأبواب طلب العلم ليست متاحة للباحث عنها بتعب يسير؛ ولا تُفتح بالطّرْق عليها ولا بهزّ أكْرتها، وإنما دونها تصميم وجدّ واتّباع ومثابرة وصبر وجهاد. وبذل جهد إضافيّ من التّضحيّة والتّجرّد لتكون نيّة طلب العلم للإفادة والاهتداء والاقتداء والبلاغ. وليس لمجرّد الانبهار بمن هو أعلم وأفقه وأحكم، ولا للتّباهي بالأخذ عن كبار شيوخ العلم وأساطين الفكر والبيان: “فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا” الكهف:61، النّسيان صفة بشريّة؛ فطبيعة الإنسان النّسيان.

وضع الفتى المكْتل (الجراب) الذي كان به الطعام (الحوت) فوق صخرة تحيط بها الميّاه، بعد إغفاءة خفيفة لامس الماء الجراب فبعث الله الرّوح في الحوت فغطس في البحر واختفى عن الأنظار. وتلك كانت العلامة التي يعلمها موسى (ع) إشارةً له من ربّه إلى تحديد المكان الذي سيلتقي فيه جبَلاَ العلم في “مجمع البحرين”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • نمام

    ان النكوص للروحانيات و التصوف عندنا من فبل افراد و جماعات ووحي من الدول يبحث عن ضمير مستتر صفته اللمسة الفنية الغالبه على سلوكه ونزعات دينية سلفية و سياسية ونزعة تدفع بالدين للصراع على السلطة و الثروة وهذا ما نراه صراع يعطل التنمية الجتماعية و الثقافية و السياسية ولذا فليكن بجث ودين ذاتي بعيدا عن التقليد والتوظيف السياسي و الايدلوجي اي الاسلام السياسي دين طاقة تدفع لا انفصال عن الحياة و الحريات الفردية و النقد و العقلانية هل يسمع الصم الدعاء ان ولوا مدبرين وعندما يظهر ما كان همسالتوظيف الدين و لي رقبته ليخد م طبقة السلطة و الثروة وكانوا وجهة يقربون للحضوة و التدليل فقدت المسؤولية و المهنية وجلسوا على المبادئ و استمرؤوا التضليل وما زالوا في الخدمة لذا نريد ان نبعد الدين من خلافاتهم وولائهم و العبث بالتراث للتوظيف