-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في عالم الانتخابات الجزائرية.. هل سيعيد التاريخ نفسه؟

التهامي مجوري
  • 1420
  • 5
في عالم الانتخابات الجزائرية.. هل سيعيد التاريخ نفسه؟
ح.م

“التاريخ يعيد نفسه”، عبارة تروى عن العلامة عبد الرحمن ابن خلدون رحمه الله، والمراد بها هو أن للتاريخ قوانين، ولكل نتيجة مقدمات، فكلما عادت هذه المقدمات عادت معها نفس النتائج؛ لأن طبائع الأشياء والأحداث في حياة البشر، عبارة عن مقدمات ونتائج بينهما ارتباط عضوي، كلما تكررت مقدمات ما تكررت معها نفس النتائج، بحيث لا يتغير منها شيء في المضامين، وربما في الأشكال أيضا.

في هذه الأيام التي نعيشها منذ ثمانية أشهر، هي الأيام نفسها التي عشناها في الفترة ما بين 1988/1992، حركة شعبية متفاعلة ومنفعلة، ووعود بالتغيير، وطموح شعبي عالي السقف، وتغيرات ترى على الأرض وتلمس، حيث عدل الدستور وأنشئت الأحزاب، ودخلت البلاد عهدا جديدا لم تعرفه خلال سنوات الاستقلال الممتدة إلى ربع، بحيث تم الانتقال السلس من الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية، وكأن الشعبكان مهيئا لذلك، ربما بسبب وجود تلك التعددية السياسية الفعلية، التي كانت تمارسها المعارضة في السرية، فلم يضف إليها تحول السلطة جديدا، إلا الخروج من السرية إلى العلنية، ومن مظاهر ذلك التفاعل الإيجابي مع الساحة السياسية، تأسيس الأحزاب ومباشرتها في النشاط السياسي التعددي، فأجريت انتخابات محلية 1990، وفازت بها المعارضة، وتباينت القراءات لهذا الفوز، فمن قائل إنها انتخابات انتقامية من النظام ومن جبهة التحرير الوطني تحديدا –الحزب الحاكم-، ومن قائل إن الشعب ضُلِّل من طرف الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، الذي يستعمل الدين في خطابه السياسي، ومن قائل إن الشعب ليس مؤهلا لأن يختار من يحكمه…، ورغم كل هذه الأراء المتباينة في تقييم هذه التجربة، فإن مجرد التحرك الشعبي والتفاعل مع الطبقة السياسية كان إيجابيا، وكان مبشرا بمستقبل سياسي زاهر، سواء من جهة الطبقة السياسية، التي كانت تتعامل في مجملها بمسؤولية وإيجابية، على ما بين أطرافها من صراعات أيديولوجية، أو من جهة السلطة التي كانت صادقة إلى حد كبير في إرادة التحول والتغيير، ولكن أطرافا في السلطة، لم تكن تتبنى الخيار الرسمي للدولة ومؤسساتها، إذ بعد نجاح تجربة المحليات 1990، تبين توجه الشعب والتوجه العام للساحة السياسية، فعملت هذه الأطراف على توجيه الحياة السياسية بما تهدف إليه من خارج اللعبة، فحضرت لانتخابات تشريعية “مُخيَّطة” وذلك عن طريق وضع تقسيم للدوائر الانتخابية، يفضي بنهايته إلى التزوير الممنهج….، ومع ذلك لما كانت الطبقة السياسية في مستوى من النضج، سقطت تلك “المكيدة السياسية”، وسقطت الحكومة التي أشرفت على تلك التحضيرات، وعدل قانون الانتخابات، وأجريت انتخابات تشريعية بعد ذلك، وفازت بها نفس الشريحة التي فازت بمحليات 1990، ولكن إرادة السوء التي تطارد الجزائر، لم تسمح لهذه العملية بأن تستمر، ووقع الانقلاب على الشعب في يناير 1992 وألغيت نتائج الدور الأول للإنتخابات التشريعية التي أجريت في 26 ديسمبر 1991، وأدخلت البلاد نفقا طيلة عشر سنوات، ثم أعقبت بعشرين أخرى لم تكن أفضل منها، ولكن بفارق بسيط، وهي أن العشرة الأولى كانت في ظل انقلاب، والعشريتين التاليتين كانتا في ظل مرشح للسلطة ورئيس منتخب انتخاب المرضيِّ عنه من قبل السلطة.

تلك الأيام التي عشناها خلال سنتين أو أكثر قليلا من أكتوبر 1988 إلى ديسمبر 1991، نعيشها اليوم وبنفس الحركية وبنفس التفاعل الإيجابي وبنفس الطموح وبنفس الأماني، ولكن بقليل من التردد والشك والريبة، بسبب المآسي التي مرت بها البلاد، خلال تسعينيات القرن الماضي، التي كانت بدايتها إلغاء المسار انتخابي، أول من اعترف به وبصدقيته السلطة نفسها، وانتهت بحصيلة قدرها مائتي ألف قتيل على الأقل، وآلاف من الملايير المتلفة من الاقتصاد الوطني.

اليوم ونحن في الشهر الثامن من الحراك الشعبي، ومقبلون على انتخابات رئاسية، والصراع لا يزال قائما بين العصب السياسية، البادية والخفية، وبطبقة سياسية مشرذمة، رغم عزم أكثر من مائة شخص على الترشح للرئاسيات!!

هل يمكن للقوى الظاهرة المضادة للرئاسيات أن تؤثر على تنائج هذه الانتخابات؟ وهل ستكون هذه الانتخابات بمستوى من النزاهة المطلوبة التي وعدت بها السلطة؟

وهل يمكن للقوى الفاعلة المستترة أن تسمح لهذه الانتخابات بالنجاح؟

لا شك أن هناك ضمانات تقدمت بها الجهات الرسمية، السلطة الفعلية، والسلطة الوطنية المكلفة بالعملية، ولكن عندما نعود إلى تجربتنا الأولى 1988/1991، نجد أن هناك ضمانات قدمتها السطة أيضا، والمتمثل في وعود رئيس رئيس الجمهورية المنتخب، ولكن لم يسمح للعملية بالنجاح، لأن تجربة المحليات سنة 1990، قد كشفت عن القوى المعبرة حقيقة عن سواد الأمة وعن ممثلي الشعب الحقيقيين، وذلك معبر عن فوز الجزائر وعن قفزتها نحو الفوز الحقيقي بالبلاد إلى بر الأمان.. وقد كان الوضع السياسي يومها كله في حال تعبوي من أجل نجاح الديمقراطية والقبول بها مهما كانت النتائج، ولكن لما فازت الديمراطية وأفرزت الأحجام الحقيقية لجميع التيارات والحساسيات السياسية في البلاد، أعلن بعضهم أنه “أخطأ في المجتمع”.

والذين استصحبوا تجربة 1990/1991، لا يريدون للتجربة أن تتكرر، ولذلك لم يكتفوا بالضمانات التي تقدمت بها السلطة الفعلية، فأضافوا لها التحذير من النتائج المفضية إلى دكتاتورية الأغلبية إلى لأنها تمثل الأقلية الأيديولوجية أو الأقليلة السياسية، وتريد بذلك أن تثبت أنها أقلية، لا تخضع للانتخاب والتصويت، وإنما تفرض منطق المحاصصة والكوطة، التي لا تمر عبر الصندوق تمهيدا لما بعدها من الأمور التي لا يمكن أن تتحقق بالانتخاب والتصويت الشعبي. رغم أن الجمهورية الجزائرية لا أقلية فيها، فهي شعب واحد، وضع أسس دولته ومواثيقها، انطلاقا من أدبيات الحركة الوطنية والثورة الجزائرية، وطورت بعض جوابها خلال تجربة الدولة الوطنية، ولا تزال تصارع من أجل استكمال العملية، ولكن بقايا الاستفتاء بـ”لا للإستقلال”، ودفعة لاكوست، وبعض “الفارين” من الجيش الفرنسي، لا يزالون يغالبون من أجل دولة تختلف عن ما هو وطني عربي إسلامي، فكانوا يعتقدون أن الديمقراطية تخدمهم فدافعوا عنها بكل ما أوتوا من قوة، ولكن لما “انصفتهم” وأظهرت حجمهم الحقيقي، تنكروا لها وتبنوا عقيدة التعيين.. فهم لا يبحثون عن صوت الشعب وعطائه، وإنما يريدون عطاء السلطة التي تثبتهم في مواقعهم بحيث لا يغادرونها إلا بالوفاة أو التقاعد، مديرين للإدارات العامة، وأمناء عامين في البلديات والولايات والوزارات، ورؤساء دواوين…إلخ.

ورغم اعتقادي أن الانتخابات الرئاسية في هذه الظروف وبهذا الشكل، لا أرى لها بديلا سريعا أفضل، فإنني بنفس القدر متخوف من نتائجها التي قد لا تكون بالقدر الذي ينتظره الشعب؛ لأن تجربة 57 سنة في ظل الدولة الوطنية، منها ثلاثين سنة في الإطار التعددي، لا تسمح لنا بالخطأ، أو بالبحث عن الأقل سوءا، ولأننا نتمتع بإمكانيات تسمح لنا بالبحث عن الأفضل وليس عن الأقل سوءا.
صحيح أن الطبقة السياسية للأسف ليست في مستوى الطموح الشعبي، وهذا ما يجعل الأمر يطمئن قليلا ويتطلع لنشوء طبقة سياسية جديدة لا ترغب في تكرير الفشل. ولكن التحديات التي أفشلت التجربة الأولى، لا تزال قائمة بأشكال ليست بالضرورة التي كانت في مطلع التسعينيات، ولها القدرة على إفساد الطبقة السياسية المجتملة، إضافة إلى وجودها الفعلي في دواليب الإدارة ومواقع النفوذ السياسي والمالي، وقادرة أيضا على إفساد الوضع، ولذلك خلقت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • الجزائري ع القادر

    لاتتخوفوا لاتترددوا لاتتحيروا ،احسنوا الظن بالله واحزموا أمركم واعملوا ، فواجبكم العمل والتوكل والتعاون، نعم يوجد من يخدم الحراك والشعب عامة بجهده وفكره ووقته وماله بل وحياته،لكن الحراك الواعي المدرك لأبعاد العلاقات الفردية والأسرية والجوارية والتنظيمية والوطنية والإقليمية والدولية في كل المجالات،المقدر لحاضر وعواقب الأمور، في إطار قـيم ومبادئ ومشـروع الأمة الحضاري، لا في إطار الأهـواء والشهوات والأنانيات والفـساد المالي والأخلاقي والسلوكي، بل في إطار الحرية المسؤولة والواجبات قبل الحقوق والعمل قـبل الأجر، إنه مستعد وأقرب إليكم مما تتصورون، يطلب فـقـط الإرادة والعزم والتوكل مـوفـقـون.

  • إسماعيل الجزائري

    قمة الإنصاف! حقيقةً نحن خائفون!

  • إسماعيل بن قاسم

    مقال في غاية الروعة والرصانة..بارك الله فيك أستاذنا ونورك وندعو الله الخير للبلاد والهلاك للفارين ودفعة لاكوست وكل من أراد شرا بأرض الشهداء

  • صالح بوقدير

    ولكن المكره ليس حرامهما كانت التبريرات

  • جزائري حر

    البارح الكل ضد العصابة واليوم الكل مع العصابة. غاشي الصباح معاك ولعشية يدور عليك خاصة كان هناك مقابل . سلكو وخلي الباقي عليه.