-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قانون الحريات في عهد التسلط

عابد شارف
  • 4535
  • 1
قانون الحريات في عهد التسلط

ما الذي حدث حتى ينقلب الصحافيون بهذه الطريقة؟ إنه تغيير جذري وشامل يعبر عنه الصحافيون تجاه تسيير الإعلام في البلاد، تغيير جاء في لائحة صادق عليها عدد كبير من أهل المهنة بمبادرة من النقابة الوطنية للصحافيين، التي تريد إعادة الاعتبار لقانون 1990 وتريد العودة لأحكامه، وهذا بعد أن كان القانون محل انتقادات شديدة منذ عشرين سنة.

  • وجاء في اللائحة التي نشرتها النقابة على “فايسبوك” أن قانون 1990 يشكل الحدث التأسيسي لحرية الإعلام في الجزائر. وتعتبر اللائحة أن قانون 1990 “يضمن قواعد معترف بها عالميا لبناء صحافة حرة ومنظمة، كما أنه يضع هياكل وإطارا قانونيا يماثل ما يوجد في الديمقراطيات الأكثر تقدما”. ويطالب الصحافيون من السلطات العمومية أن تحترم وتفرض احترام قانون 1990، ويعتبرون أن اختراق هذا القانون يشكل السبب الأساسي للفوضى والانحطاط الذي تعيشه الصحافة والوضع المزري الذي يعاني منه الصحافيون.
  • ولم يسبق لقانون 1990 أن حضي بمثل هذه العبارات الإيجابية حتى من طرف الفئة التي وصلت إلى الثروة والشهرة بفضله. عكس ذلك، كانت الأغلبية الساحقة للصحافيين تنتقد قانون 1990، وذلك منذ المصادقة عليه قبل عشريتين. وشارك الصحافيون في حملة شنعاء أدت إلى المساس بمصداقية القانون رغم أن محتواه كان يفتح أبوابا لم يعرفها أي بلد عربي لحد الساعة، بل ويمكن القول إن قانون 1990 من أكثر النصوص تفتحا في العالم.
  • وعشية الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة يوم 3 ماي، لا بد من التذكير بهذه السوابق التي عاشتها الجزائر وصحافتها، لما شاركت الصحافة في اغتيال قانون كان يحميها ويضمن حريتها وشرفها. والحقيقة أن الحملة ضد قانون الإعلام جاءت من أطراف واعية وأخرى غير واعية، لتحطم روح الحرية التي كانت تسود بداية التسعينيات، وهي الروح التي نجدها في كل النصوص التي تمت المصادقة عليها آنذاك، سواء تعلق الأمر بالدستور أو قانون الأحزاب أو الجمعيات وغيرها.
  • وفي تلك المرحلة، كانت السلطة تنطلق من مبدأ أولوية الحرية والقانون، وتعتبر أن للمواطن كل الحقوق، سواء أراد تكوين حزب أو جمعية أو جريدة، وأن كل ما في الأمر هو أن يخضع لبعض القواعد والضوابط القانونية البسيطة. وانطلاقا من ذلك، فإن تأسيس جريدة ليس مرتبطا بإرادة السلطة أو الوزارة، إنما لكل جزائري الحق في إنشاء جريدة، وإذا أخطأ، تقوم الإدارة بمتابعته قضائيا ومعاقبته. وهذا المنطق لا يسمح بطبيعة الحال للسلطة أن ترفض لأي مواطن حقه في تأسيس حزب أو جريدة، مثلما يحدث اليوم.
  • لكن تغيرت المعطيات، وتغيرت السلطة، وغيرت قواعد اللعبة. والسلطة لا تسمح اليوم إلا لأهلها وعشيرتها إنشاء جرائد. وينطبق نفس المنطق بالنسبة للأحزاب، حيث نعرف أنه لم يتم اعتماد أي حزب جديد منذ أن اعتلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عرش السلطة، وذلك رغم أن شخصيات تاريخية ومحترمة حاولت تأسيس أحزاب لتمارس السياسة في الشرعية.
  • ويفرض هذا النقاش نفسه مع الإعلان عن مشروع الإصلاحات التي جاء بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ومن المعروف أن الصحافيين وأهل الفكر بصفة عامة عادة ما يشكلون الطليعة للنقاش السياسي والفكري. فهل تعني عودة الصحافيين إلى المطالبة بأولوية الحرية والقانون، هل تعني أن السلطة مستعدة لسلوك نفس الطريق، أم هل أن الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية ستقتصر على بعض التعديلات الشكلية مع البقاء على نفس النظام؟ ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الأحزاب الفاعلة والقوى الاقتصادية البارزة لا تريد العودة إلى قواعد عمل شفافة وواضحة، بل أنها تتصرف وكأنها لا تقبل أي تغيير، مما يحكم على إصلاحات السيد بوتفليقة وعلى طموحات الصحافيين في العودة إلى قانون حرية الصحافة.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • أحمد النصري

    لا حرية تحت التسلط والحرية نؤخذ لا تعطى