الرأي

قبل أن يُهوّد الأقصى

حسين لقرع
  • 1794
  • 0

في سبتمبر من عام 2000، قام أرييل شارون بزيارة مفاجِئة للمسجد الأقصى وتجرّأ على تدنيسه بحذائه، فطارده المصلون إلى خارج المسجد بأحذيتهم، وكان ذلك بمثابة شرارة فجّرت الانتفاضة الثانية بقيادة الرئيس ياسر عرفات الذي آزرها بقوة وأوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتصالح مع حماس، وأفرج عن المئات من ناشطيها المسجونين في الضفة، وأطلق يدهم يضربون العدوّ كما يشاءون، ولم يتردّد عرفات في دفع حياته في نوفمبر 2004 ثمناً لهذا الموقف التاريخي.

واليوم تقتحم شرطة الاحتلال ومستوطنوه المسجد الأقصى لليوم الثالث على التوالي ويعتدون على المرابطين والمرابطات ويكسرون أبواب المسجد ونوافذه ويدنّسون المحراب بأحذيتهم، ويصرّح نتنياهو أنه عازمٌ على تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا بين الفلسطينيين واليهود… لكن ذلك كله لم يُثِر غضب الرئيس عباس وحميّته، إذ لايزال موقفُه ضعيفاً متخاذلاً، لا يحسن سوى الاتصال بدولٍ عربية وغربية شتى لمطالبتها بالضغط على الاحتلال الصهيوني لإيقاف اقتحاماته اليومية للأقصى.

أما الذهاب إلى انتفاضةٍ ثالثة، ردا على تدنيس الأقصى كما حدث في سبتمبر 2000، فيبدو أنه هدفٌ بعيد المنال؛ لأن عباساً التزم مراراً بمنع قيام اندلاع الانتفاضة الثالثة مادام حيا يُرزق، وهو يُخرج شرطته في كل مرة لقمع أي مظاهرات في الضفة، ويصرّ على مواصلة التنسيق الأمني مع الصهاينة حفاظاً على حكمه من حماس.

لا أمل في أن يقتدي عباس بعرفات ويقود الانتفاضة الثالثة، وأن يدفع حياته ثمناً لها ودفاعاً عن الأقصى، ولذلك لا مناص من أن يأخذ الفلسطينيون بأنفسهم زمام المبادرة وينتفضوا ضد الصهاينة في الضفة والقدس، وإذا تحرّكت شرطة دايتون للدفاع عن الاحتلال، فلا تلومنّ إلا نفسها.

وإذا تعذّر القيام بانتفاضةٍ ثالثة، فيمكن للفلسطينيين الواقعين تحت سلطة الاحتلال في الضفة والقدس أن يواصلوا أعمال المقاومة الفردية التي اندلعت منذ أشهر عديدة وأقضّت مضاجع العدوّ ردحا من الزمن، وأجبرته على التراجع عن اقتحام الأقصى في الأشهر الماضية، قبل أن يعيد الكرّة منذ أيام.

قد يستطيع عباس منع انتفاضةٍ منظمة في الضفة، والاحتلالُ قمعَ انتفاضة مشابهة بالقدس، ولكن ليس من السهل منع عمليات الطعن الفردية بالسكاكين للمستوطنين والشرطة والجنود الصهاينة، أو دهسهم بالسيارات…

لقد تجاوز العدوّ كل الحدود واستضعف الفلسطينيين بإصراره على اقتحام الأقصى وتقسيمه زمانيا ومكانيا بينهم وبين اليهود، ولم يعُد بإمكان ثلة من المرابطين والمرابطات التصدي للمئات من رجال الشرطة في مواجهاتٍ غير متكافئة، ولا يكلف اللهُ نفساً إلا وسعها، ولم يعد هناك أي أمل في الأنظمة العربية المنشغلة بإنشاء قوة عسكرية مشتركة لخوض حروبٍ أخرى في غير فلسطين، والحل بأيدي الشعب الفلسطيني وحده، ولا بدّ من انتفاضة ثالثة تعيد الأمور إلى نصابها، وإلا فعلى الأقصى السلام، وقد لا يطول الوقت حتى يُهدم ويُبنى الهيكلُ المزعوم بدله.

نعرف أنه ليس من العدل أن نحمّل الفلسطينيين وحدهم ثقل الدفاع عن أول القبلتين وثالث الحرمين، ولكن الحل العاجل في أيديهم هم، وغدا قد يكون لـ1 .6 مليار مسلم أمرٌ آخر. 

مقالات ذات صلة