الرأي

قتلة الملايين الذين ندفع لهم المليارات

حبيب راشدين
  • 2298
  • 16

منذ بداية جائحة “كوفيد 19” أعاب عليَّ كثيرٌ من القراء استهجاني لحالة الفزع المصنّع، والرعب المركّب، اللذين أشيعا بين العامة كوسيلة لتمرير إغلاق شامل للدول، وتعطيل محكم للإنتاج ولحركة التبادل، ولفرض حجر صحي غير مسبوق، عطل الحياة الاجتماعية والتعليم والحياة الدينية لقرابة ثمانية مليار من البشر، مع فوضى غير مسبوقة في تقدير الخبراء وأهل الاختصاص للجائحة من جهة الانتشار، وما يُنشر كحصيلة وفيات تُنسب إليه، فيما يتم التعتيم على أكثر من “قاتل تسلسلي للبشرية” يتقدمهم الإجهاض الذي يقتل سنويا 41 مليون من نسل آدم، ومعه طائفة من القتلة من صناعة حضارة الحداثة الغربية، نستعرضهم من موقع الإحصائيات “وارلد ميتر” (worldmeter) من آخر تحيين له الليلة قبل الماضية.

على الساعة الـ11 من ليلة الاثنين، كان تعداد البشر على المعمرة قد بلغ 7780696400 نسمة (7,78 مليار) بعد أن أضيف إليهم عددٌ المواليد منذ بداية السنة يقدر بـ45272846 نسمة منهم 368546 ولادة جديدة نهار الاثنين فقط، وتسجيل وفاة 154724 في نفس التوقيت، بما يعني أن تعداد السكان قد زاد في الشهور الأربع الموبوءة بالجائحة بـ26266221 ووفاة 19006625 من بينهم 211000 فقط نسبت لـ”كوفيد 19″ أي بنسبة لا تزيد عن 1,1 % من المجموع.

وقد لا تعلم أن يوم الاثنين فقط، سُجلت وفاة 29420 إنسان من الجوع، من بين 842694931 إنسان يعاني من سوء التغذية في العالم، يموت منهم سنويا بالجوع الصرف 534000 إنسان، أغلبهم من الصبية والمسنين، وفي المقابل سُجل أول أمس فقط في الولايات المتحدة إنفاق ما يقارب 550 مليون دولار على الأمراض المتصلة بالسمنة والتخمة، و181 مليون دولار أنفقت على برامج التخسيس، وقد بلغ عدد المصابين بالسمنة والتخمة في العالم 1,62 مليار، ويكفيك أن تعلم أن عدد الوفيات بسبب أمراض تتسبب فيها مياه الشرب غير المعالجة قد فاق حصيلة وفيات “كوفيد 19” وبلغ منذ بداية السنة 272120 وفاة حتى الليلة قبل الماضية، في حين يقدر عدد الناس المحرومين من مياه الشرب الصالحة 801587666 نسمة.

ثمة رقم لن تجده في أيِّ إحصائية للوفيات بسبب الأمراض، أو الحوادث، أو الكوارث، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية عدد عمليات الإجهاض في العالم بما بين 40 و50 مليون عملية سنويا، بمعدل 125000 عملية إجهاض في اليوم ينفق عليها 27 مليار يورو، وقدّرها موقع “وارلدميتر” كأول سبب للوفيات سنة 2018 بـ41 مليون عملية، بل تكاد تعادل مجموع نسبة الوفيات بجميع الأسباب، والتي تقدر بـ57 مليون كل سنة، وقد سُجل منذ بداية السنة وحتى الليلة قبل الماضية 13737387 عميلة، أي ما يعادل 65 مرة ما نسب من وفيات لـ”كوفيد 19″.

وإذا كان لا بد من مقارنة ما يمكن مقارنته، فلك أن تعلم أن 41,746 مليون إنسان مصاب اليوم بفيروس السيدا، توفى منهم منذ بداية السنة 543221 أي 2.57 مرة ما نسب لكوفيد 19، وقتل وباء الملاريا وحده في الشهور الأربع الماضية 316936 إنسان، ويُنسب لـ”وباء” التدخين موت 14,56 مليون في السنة، منهم 1,615 مليون منذ بداية السنة، وتوفي بسبب تعاطي الخمور 808207، في حين تسبَّب الانتحار في موت 346520 حتى الليلة قبل الماضية.
غير أن “أم الأوبئة” القاتلة للبشرية هي بلا شك “نمط الحياة” الذي صنعته لنا هذه الحضارة الغربية المعادية للفطرة البشرية، والتي تحتاج من النخبة العالمة، ومن الساسة وقادة الرأي، البحث له عن ترياق قبل أي ترياق يُستحضر لكورونا وأخواتها، ترياقٌ لا يحتاج إلى مخابر ولا إلى إنفاق المليارات من الدولارات، يكفينا أن نقول بصوت مرتفع لأربابها: كفى عبثا بخلق الله، ثم نحوِّل جهودنا إلى قائمة “القتلة المتسلسلين” على رأسهم القاتل الأول: الإجهاض الذي قتل منذ بداية الألفية الثالثة فقط 293 مليون مخلوق دون حساب التوائم، أو ما يعادل عشر مرات عدد القتلى من العسكر والمدنيين في الحربين العالميتين.

مقالات ذات صلة