قراءات مع الدكتور فاضل السامرّائي
وقد يستعمل كلمة في موطن، ثم يستعملها في موطن آخر مبدّلا فيها حرف، وذلك نحو: مكّة وبكّة، واللآتي واللاّئي، وبصطة وبسطة ونحوها. وكل ذلك لغرض.
فقد قال -تعالى-: ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) (آل عمران: 96- 97).
وقال: ((وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)) (الفتح: 24).
فقال في آية آل عمران: (بكّة)، وقال في الفتح: (مكّة). وسبب إيرادها بالباء في آل عمران أن الآية في سياق الحج: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)، فجاء بالاسم (بكّة) من لفظ (البكّ) الدّال على الزحام لأنه في الحج يبكّ الناس بعضهم بعضا، أي: يزحم بعضهم بعضا، وسمّيت (بكّة) لأنهم يزدحمون فيها.
وليس السيّاق كذلك في آية الفتح، فجاء بالاسم المشهور لها، أعني (مكّة) بالميم. فوضع كل لفظ في السياق الذي يقتضيه، والله أعلم.