الرأي

قراءة في “إعلان اسطنبول” حول القدس

محمد بوالروايح
  • 4525
  • 8

“إعلان اسطنبول” الذي تمخض عن مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي بشأن القدس، والمنعقد باسطنبول يوم الأربعاء 13 ديسمبر 2017، يؤكد تبني الدول الإسلامية لخطاب جديد بعيد نسبيا عن خطاب الشجب الذي عهدناه في القمم العربية والإسلامية بشأن القضايا العربية والإسلامية، وهذا التجدد في الخطاب الإسلامي يتجلى في أكثر من موضع من إعلان اسطنبول، والذي تتجلى بعض معالمه في النقاط الآتية :

أولا: يظهر دور تركيا في تبني الخطاب الجديد للدول الإسلامية حيال قضية القدس واضحا، فتركيا تبنت ومنذ مدة خطابا سياسيا راديكاليا حيال هذه القضية، لدوافع يختلف المحللون السياسيون بشأنها، فمنهم من يذهب إلى أن تركيا تريد من وراء ذلك استعادة زعامة المجموعة الإسلامية من خلال محاولة بعث الدور العثماني القيادي للعالم الإسلامي، وهو الدور الذي لا يتردد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إرسال إشارات وتلميحات بشأنه، والذي تجلى بشكل خاص من خلال موقف تركيا من الحصار على غزة وموقفها من الحرب في سوريا، ومنهم من يذهب إلى أن مواقف تركيا المتشبثة بالقضايا الإسلامية يرجع أساسا إلى الإيديولوجيا السياسية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الذي يعطي أولوية قصوى للقضايا الإسلامية، ومنهم من يرى أن تركيا بحثت عن حليف بديل بسبب الموقف الأوروبي المتشدد بشأن انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ورأت في المجموعة العربية والإسلامية خيارها وملاذها في لعبة الاصطفاف السياسي والتموقع الاستراتيجي الذي يتمركز حول قضية الصراع في الشرق الأوسط، والحرص على أن تلعب تركيا دورا رياديا وقياديا فيه يسمح برسم معالم الشرق الأوسط بحسب الرؤية الإسلامية في مقابل مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي تسعى الولايات المتحدة لتكريسه في المنطقة العربية.

ثانيا: يظهر من إعلان اسطنبول الاتجاه التصعيدي غير المسبوق في العلاقات الأمريكية العربية الإسلامية، وذلك من خلال اعتبار منظمة التعاون الإسلامي أن دور الولايات المتحدة الأمريكية كراع ووسيط في عملية السلام في الشرق الأوسط قد انتهى أو كاد، سيما بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبدء إدارة البيت الأبيض في الترتيبات والتحضيرات الخاصة بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ويظهر من إعلان اسطنبول التوجه الإسلامي نحو الاتحاد الأوروبي، وخاصة بعد تأكيد هذا الأخير على استحالة إقدام دول الاتحاد الأوروبي على نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، والذي من شأنه أن يمثل دعما دبلوماسيا وسياسيا للمجموعة الإسلامية، ويشكل حرجا كبيرا لأمريكا ويفرض عليها نوعا من العزلة الدولية، الأوروبية على وجه الخصوص.

ثالثا: يظهر من إعلان اسطنبول بشأن القدس اهتمام الدول الإسلامية بتحضير الرأي العام العالمي لكسب مزيد من التأييد لمواقفها بشأن قضية القدس، وذلك باستثمار النضج العالمي حيال قضايا الاحتلال والاستيطان، والذي يصب في مصلحة القضية الفلسطينية بصفة عامة وقضية القدس بصفة خاصة، ولتحقيق ذلك ركز الإعلان على دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في وقف تنفيذ القرار الأمريكي بشأن القدس.

رابعا: يشدد إعلان اسطنبول على الإجماع الإسلامي حول مبدإ إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، والذي يعني صراحة القبول بمبدأ حل الدولتين الذي كان موضوعا لمفاوضات عسيرة ومتعثرة في أوسلو مما اصطلح على تسميته “أوسلو الأولى والثانية”، كما يشدد الإعلان في نفس السياق على أن وضع القدس لا يمكن تقريره إلا بمقتضى مفاوضات الحل النهائي من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وليس من جانب واحد، أو بإملاء أو إيحاء أو اتكاء على موقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي تأكد أنه منحاز بصفة مطلقة إلى إسرائيل.

خامسا: يظهر من إعلان اسطنبول الأهمية التي توليها الدول الإسلامية لوضع القدس وأنها تمثل حجر الزاوية في عمق الصراع العربي الإسرائيلي، وأن أي تجاوز حيال القدس من جانب إسرائيل أو من جانب حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية سيؤدي لا محالة إلى إرباك أو إفساد عملية السلام  برمتها في الشرق الأوسط.

سادسا: يشيد إعلان اسطنبول بإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة الذي تمخض عن اجتماع القيادات الفلسطينية بالجزائر في 1988، والذي يمثل بالنسبة للدول الإسلامية المجتمعة باسطنبول نقطة انطلاق وارتكاز لتجسيد نموذج الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

سابعا: يشدد إعلان اسطنبول على ضرورة تجسيد الوحدة الفلسطينية التي عرفت تعثرات وعقبات كثيرة قبل أن يتجدد الأمل في هذه الوحدة منذ أشهر معدودة، بعد توصل القيادات الفلسطينية في الضفة والقطاع إلى اتفاق تاريخي نهائي، يقضي بقبول حماس تسليم إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية الموحدة، وحل بعض التشكيلات الأمنية وإلحاقها بجهاز الأمن الوطني الفلسطيني، ولهذا الغرض وحرصا على استمرار هذه الوحدة، ركز إعلان اسطنبول على تجسيد الوحدة الفلسطينية لأنها في نظر منظمة التعاون الإسلامي السبيل الأنجع لمواجهة التحديات على الصعيد الفلسطيني.

ثامنا: يشير إعلان اسطنبول إلى وقوف منظمة التعاون الإسلامي إلى جانب كل “الأشقاء الفلسطينيين”، وفي مقدمتهم السلطة الفلسطينية ممثلة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويمكن أن نستشف هنا أن الإعلان تحاشى الإشارة إلى التنظيمات الجهادية والمقاومة، وهذا راجع ربما إلى تحاشي المنظمة الخوض في المسائل الخلافية، والتركيز فقط على مسائل الإجماع، لأن قضية المقاومة كما نعلم أصبحت من الأمور المختلف فيها، والتي لا ترى فيها بعض الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي جدوى بل تعتبرها عائقا من عوائق حل أو حلحلة الصراع العربي الإسرائيلي.

تاسعا: يركز إعلان اسطنبول على حشد الدعم الإنساني من خلال دعوة العالم لتأييد القضية الفلسطينية العادلة التي تقوم على احترام الحريات الإنسانية، وحق الإنسان في تقرير مصيره وفقا للقيم الإنسانية التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني وغيره من القوانين ذات الصلة.

عاشرا: إعلان اسطنبول بشأن القدس من شأنه أن يسهم في إزالة سوء التفاهم بين تركيا وبعض الدول الإسلامية، هذه الأخيرة التي وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنها تخشى إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي الإحجام عن اتخاذ موقف حازم وصارم من القرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويمكن القول في هذا المجال إن الدبلوماسية التركية ومعها بعض الدبلوماسيات العربية في منظمة التعاون الإسلامي قد أدت دورا إيجابيا في إزالة سوء التفاهم، والتوجه نحو تحاشي التصدع داخل المنظمة الذي يصب لصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

مقالات ذات صلة