-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قراءة في بيان الشخصيات الوطنية الـ19

محمد بوالروايح
  • 1476
  • 6
قراءة في بيان الشخصيات الوطنية الـ19
ح.م

قرأت بيان الشخصيات الوطنية حول الوضع السياسي الراهن، وخرجت في النهاية بملاحظات إيجابية وأخرى سلبية، أذكرها بكل موضوعية لأنني ببساطة لست طرفا خصما لهذا الفصيل أو ذاك ولست أيضا طرفا ظهيرا لهذا الفصيل ضد الفصيل الآخر، فأنا أنتمي إلى التيار الوطني الذي لا تستهويه اللعبة السياسية كثيرا ولا تهمه التجاذبات السياسية بل تهمه أولا وأخيرا المصلحة الوطنية التي لا تتحقق إلا ببناء جدار وطني يكون سدا منيعا ضد دعوات التأزيم الممنهج للوضع السياسي.

أسجل بادئ ذي بدء ما آنسته من حسٍّ وطني للموقعين على البيان المذكور والذي يتجلى في حرصهم الشديد على تجاوز الوضع السياسي الراهن وبناء نظام سياسي جديد يعالج أخطاء الماضي ويتحقق في ضوئه إجماعٌ وطني غير مسبوق، ولكنني أسجِّل في الطرف المقابل أن جل الموقعين   -رغم احترامي لأشخاصهم وألقابهم ووظائفهم- لا ينطبق عليهم وصف الشخصيات الوطنية إذا استثنينا بعض الأسماء الثقيلة والوازنة التي لا نختلف حول رصيدها النضالي والسياسي من شاكلة الرجل السياسي الرمز أحمد طالب الإبراهيمي ومعه قلة قليلة ممن عُرفوا بمواقفهم الوطنية كما هو الشأن بالنسبة لأحمد بن بيتور وعلي بن محمد وعبد العزيز رحابي، وأما ما عداهم من الموقعين فأغلبهم أسماء جديدة وافدة على المشهد السياسي وهم على ثلاثة أصناف: صنف المحامين والناشطين السياسيين، وصنف النقابيين الذين انتقلوا في فترة الحَراك الشعبي من المطالبة بتغيير المنظومات المهنية التربوية وغيرها إلى المطالبة بتغيير النظام تماشيا مع تطوّر أساليب النضال الذي فرضته الأحداث المتسارعة في الجزائر بعد انتهاء فترة الحكم البوتفليقي وتزايد وتيرة الحراك الشعبي، وصنف الجامعيين الذين انخرطوا في العمل السياسي الذي أصبح واقعا ليس له دافع.

سجلت بكل موضوعية التزام الموقعين على بيان الوضع السياسي الراهن دعوتهم للمِّ الشمل والتعاون على إيجاد حلّ للأزمة السياسية الراهنة، وتغليب منطق المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية والحزبية، ودعوتهم السلطة للتعجيل بإجراءات التهدئة، ولكنني كنت أودّ أن تقترن الدعوة إلى التهدئة بخطابٍ هادئ من جانب الموقعين على البيان بعيد عن المنطق الاتهامي، فقد جاءت في البيان عباراتٌ شديدة اللهجة لا أعتقد أنها تشجع على الحوار، بل تزيد من حدة التنافر والتنابز السياسي ومنها على سبيل المثال: “لم تجد السلطة من سبيل للخروج من أزمتها المزمنة، إلا محاولة المرور بالقوة نحو الانتخابات، عن طريق التضليل باسم الشرعية الدستورية في فرض قبضتها الحديدية وتأكيد وصايتها الأبدية على الشعب، من خلال تشكيل لجنة صورية للحوار لتمرير خارطة طريقها دون حوار حقيقي، والنتيجة هي تشكيل سلطة وطنية مستقلة للانتخابات دون توافق مسبق مع الفاعلين السياسيين ونخب المجتمع، إذ ضاعت الاستقلالية تحت وطأة التعيين العلني المفضوح لأعضائها، وكان من الأصوب أن يُسند أمر استدعاء الهيئة الناخبة لهذه السلطة لو كانت فعلا  توافقية مستقلة”.

إن هذا الخطاب الاتهامي المتعدِّد للسلطة ولجنة الحوار والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات لا أعتقد أنه يساعد على تقريب وجهات النظر وتجفيف منابع الخلاف، بل يسير في اتجاه تشتيت الموقف الوطني وخلق عداوة مستحكمة بين من هم في السلطة ومن هم في المعارضة. إن الخطاب الهادئ يقتضي من المحاور أن يعرض على الآخر رؤيته وتصوُّره للحل السياسي بعيدا عن منطق الاتهام الذي لا يشجع الطرف الآخر على الانضمام إلى أي مبادرة وعلى الحوار بأي شكل من الأشكال. إن حقيقة التحدي ليس في اتهام السلطة بتشكيل لجنة للحوار وتأسيس سلطة وطنية مستقلة للانتخابات على المقاس كما عبر عنه البيان واعتبره تحديا صارخا لإرادة الشعب المعبر عنها في الحراك الشعبي، بل في تبني خطاب سياسي هادئ ومتوازن يقدِّم رغبة البحث عن المخرج على رغبة إحراج الآخر.

من الضروري الإشادة بما جاء في البيان بشأن التزامات الحَراك الشعبي الوطنية والأخلاقية ومنها الالتزام بالسلمية: “.. وعليه فإننا نجدد حرصنا وتأكيدنا على ضرورة الاستمرار في الحراك الشعبي السلمي مع الإشادة بوعي المتظاهرين وأهمية الحفاظ على سلمية مسيرتهم باعتبارها مكسبا حضاريا أثار إعجاب القاصي والداني”. وتتأكد هذه الالتزامات الوطنية والأخلاقية للحَراك الشعبي كما جاء في البيان من خلال دعوة الحراك إلى تصفية صفوفه من كل المتسللين والمندسِّين الذين يركبون موجته من أجل أدلجته وتحريفه عن وجهته “.. إننا بقدر ما نلحُّ على هذه الإجراءات المسبقة لفتح الطريق أمام الحل الدائم للأزمة السياسية، بقدر ما ندعو الجميع في الحراك إلى التحلي بأقصى درجات اليقظة وضبط النفس، وتجنب استعمال العبارات الجارحة، أو رفع الشعارات المسيئة للأشخاص أو المؤسسات، ونبذ الفتنة وخطاب الكراهية المهدِّد للوحدة الوطنية”.

ليس في البيان من ناحية القراءة السياسية أي جديد؛ فبنوده السبعة هي تكرارٌ لما أكدت عليه جلسات ومبادرات الحوار السابقة، وليس في البيان أيضا خطة ملموسة للحل، بل أغلب بنوده يغلب عليها التصوّر النظري الغارق في النظرية رغم اعترافنا بأن البيانات السياسية لا ترسم الحل بتفاصيله المملة ولكنها تقدّم على الأقل تصورا ممكنا للحل يساعد في المرحلة العملية على تجسيد خارطة الطريق.

إن البنود السبعة التي اشتمل عليها البيان يمكن اختصارها في بندين اثنين لا ثالث لهما، هما الاستجابة لمطالب الحَراك الشعبي ودعوة الأطراف المؤمنة بهذه المطالب إلى طاولة الحوار الجاد والمسؤول. إن الإشكال ليس في أحقية وصدقية مطالب الحَراك، فهذه قضية لا يختلف فيها اثنان، وإنما في طريقة تذليل الصعوبات وتجاوز العقبات من أجل تحقيق هذه المطالب.

ليس هناك من يعارض الدعوة إلى إطلاق سراح معتقلي الرأي، ولكن من الضروري تمييز المدانين والمندسِّين داخل الحراك الشعبي من معتقلي الرأي من الفئات الوطنية المنتظمة داخل هذا الحراك. إن المطالبة بإطلاق سراح الكل من دون قيد أو شرط، لا يستقيم من جهة مع القواعد القانونية، كما أنه يشوِّش على عمل الجهاز القضائي الذي يتحمَّل وحده دون غيره مسؤولية تطبيق القانون في هذا المجال بحسب طبيعة الجرم المرتكب حتى لا يفلت الرافعون للشعارات المسيئة للأشخاص أو المؤسسات ودعاة الفتنة وخطاب الكراهية والمهدِّدون للوحدة الوطنية من الحساب والعقاب، وهو المبدأ الذي أكد عليه البيان.

ومما سجّلته من قراءتي للبيان هو غلبة اللغة الجمعوية على اللغة السياسية، والدليل على ذلك اشتماله على بعض المصطلحات التي نجدها لدى بعض الناشطين الجمعويين والسياسيين مثل استخدام مصطلح “السلطة الفعلية”، مع أنّه ليس هناك داع من الناحية السياسية أن يتضمن البيان إشارة إلى سلطة فعلية أو صورية، لأن الغاية التي يسعى إليها الحراكيون والسياسيون وكل الجزائريين هي إحداث التغيير الشامل الذي لا يتحقق بيقين بالإمعان في المشاكسة السياسية، بل بالحرص على تحقيق التوافق الوطني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • جزائري حر

    لست أدري علاه كين البعض من الناس يخفون الصراحة التي تنقص من الوقت الدي يطيل الأزمة ويحاولون ان يكونوا من المماطلين حتى يطول عمر الأزمة كأني بهم لا يعلمون أن السكوت عن قول الحقيقة كما هي فإن المشاكل تتكاثر وتتكاثف لكن إن تصديت للباطل في حينه فأنت توفر عليك الوقت والمشاكل ومستقبل الأجيال.

  • محمد بوررقة

    المشكل ان نفسية اصحاب البيان تجاهلت ما يقوم به الجيش الوطني الشعبي من حفض امن البلاد و تحرير العدالة لوقف نزيف الفساد و راحو يقولون كلام نضري يمجد و يقدس الحراك رغم علم الجميع انه مصطنع من رؤوس العصابة لاغراق البلاد في الدم لولا حكمة قيادة الجيش اقول حتي من اهلتهم يا استاد لمرتبة الشخصية الوطنية تجاوزهم الزمن هدا الزمن الدي نريد ان نتحرر فيه من قبضة فئة هجينة لا تعرف اصلها تاتي هده الشخصيات تقدس حراكها عن عمي و قلة بصيرة و هي في نفس الوقت مركوبة من باقي الاشخاص و انت تعلم يقينا هدا

  • صالح بوقدير

    1_سجناء الرأي هم سجناء رأي لافرق بينهم
    2_الشخصيات الوطنية ليست مبادرتهم الاولى وإلا أنت غائب عن المشهد أوتنتقي منه ماتشاء
    3_السلطة الفعلية واقعا لاينكره الا جاحد أو مستغفل
    4_ الوضع القائم يحتاج إلى تشريح وليس إلى تلميح
    5_المحايد يكون على مسافة واحدة من الطرفين لم نر لك همسا في الاشارةالى تعنت الطرف الآخر_حب من حب وكره من كره_ وهو مايفند حيادك.

  • جزائري حر

    المشكلة كانت ومازالت في بعض الأقلام وبعض المعلقين الدين هم نكرة وينتقدون الأشخاص وليس أفكارهم.

  • مناع ـ الجزائر

    تشم في البيان رائحة رحابي الذي يتصور انه ابعد عن مبادرته للحوار وتم إهدارها
    ـ توقيت طرح البيان غير مناسب تماما ، وبعض مضامينه تدخل في إطار الإستفزاز لزيادة التشنج
    ـ بعض الموقعين تم ترجيهم للتدخل في الوقت الواسع لتقديم تصورات لحل الأزمة ولكنهم رفضوا ، ونستغرب مصادقتهم على بيان يطرح في الربع ساعة الأخير

  • حليم

    اقولها لك صر احة و مختصرة بان ابراهيمي و حمروش ليس لهم ما يقدمونه لانهم فقدوا او ليس لهم الشهامة الكافية و كدلك لانهم اكلوا التبن فهم يخافون النار و (حكمهم VAR )!!!
    اما بن بيتور فهو مع اهل بسم الله لكنه في صورة وطني ناصع البياض !!