-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تقضي حصريا ساعات مع حماة القانون في مهامهم الشاقّة

“قسم مكافحة الإرهاب”.. سرداب المتربصين بالجزائر

نوارة باشوش
  • 3866
  • 0
“قسم مكافحة الإرهاب”.. سرداب المتربصين بالجزائر
أرشيف

هُنا القسم الوطني لمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود بمحكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة.. فيه قضاة متخصصون ومحنّكون لكبح المجرمين والمهرّبين والتصدي للإرهابيين والمخربين والمحرّضين من داخل الوطن وخارجه، الذين وضعوا نصب أعينهم ضرب الاقتصاد الوطني وزعزعة استقرار الجزائر وأمنها، بعد أن باعوا رؤوسهم في أسواق الذمم لصالح الأجندات الأجنبية، مقابل محاولات يائسة لتسميم عقول الجزائريين وإضعاف عزيمتهم في بناء وطنهم، ولو بالاستعانة بالخونة…لكن هيهات أن يفلحوا في مسعاهم الخائب، إذ بين المجابهين من حماة القانون لهؤلاء الكائدين وأمن الجزائر “عهد وقسم غليظ”، ورياحهم العاتية ستعصف بكل من يفكر في التعدي على شبر واحد من هذا الوطن، ولسان حالهم يردد ” نحن خلفاء الشهداء في الجزائر.. هدفنا إحقاق الحق وإقامة دولة القانون والقصاص ضد كل من يحاول المساس بأمن البلاد والعباد”.
كانت الساعة تشير إلى تمام 10.00 صباحا من يوم الاثنين 26 فيفري… المكان: محكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة.. نحن الآن بالطابق الثالث أمام القسم الوطني لمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
“الشروق” تدخل حصريا، رفقة الجريدة العمومية “المجاهد”، تلك العلبة السرّية التي يعمل رجالها في صمت وخفاء وبكل عزيمة وإصرار لردع الإٍرهابيين ومن ولاهم من الداعمين والمساندين والشراذم المجرمة المتبقية من سنوات الجمر وخونة الوطن والمتآمرين على الجزائر، إضافة إلى مهربي البشر والمتلاعبين بـ” قوت” الجزائريين، على شاكلة المضاربين بـ”الأرز والعدس والحليب و السميد” وكل المواد الغذائية التي تعتبر ملاذا لـ”الزوالية”، حيث يتولّون التصدّي لهؤلاء جميعا بسلطان القانون وصرامته، تحت مبدأ “الكل سواسية كأسنان المشط أمام العدالة”.

” جنود العلبة السرّية”.. أعين لا تنام !


بمجرد وصولنا إلى محكمة سيدي أمحمد وصعودنا السلالم نحو الطابق الثالث، حيث يتواجد قسم مكافحة الإٍرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، انتابنا شعور بالارتباك وقفز إلى ذاكرتنا الخوف، ليتشحّذ تركيزنا الذهني وترتفع لدينا نسبة الأدرينالين، وبدأت قلوبنا في الخفقان بسرعة، خاصة ونحن في قاعة الانتظار، بعد أن طلبت منا أمينة الضبط التريث قليلا، حتى يتم استقبالنا من طرف وكيل الجمهورية الرئيسي لدى محكمة سيدي أمحمد.
في تلك اللحظات صادفنا اقتياد متهمين مكبّلين مثنى مثنى من طرف عناصر الشرطة والدرك الوطني، لتقديمهم أمام نيابة الجمهورية أو أمام قضاة التحقيق وعلامات “الإجرام” بادية على وجوههم، ولو أن المتهم بريء قانونا إلى أن تثبت إدانته، لكن كان ذلك هو الانطباع الذي انتبانا في تلك الآونة.
لحظات فقط بعد هذا المشهد، نادت علينا أمينة الضبط، بعد أن تحققت من هويتنا وطلبت منا مرافقتها إلى مكتب وكيل الجمهورية الرئيسي لدى محكمة سيدي أمحمد، وكان أول ما لفت انتباهنا هو لافتة المدخل المدوّن عليها “وكيل الجمهورية لقسم مكافحة الإرهاب”، ليتم استقبالنا من طرف هذا الأخير الوكيل “محمد كمال الدين طويجني”، ومن خلال دردشتنا معه تبين لنا مدى كفاءته واحترافيته وتمكّنه من التحكم في الملفات القضائية المطروحة أمامه مهما كانت معقدة وشائكة.
الوكيل طويجني ثمن مجهودات الدولة في عصرنة جهاز العدالة من خلال مواصلة دفع عجلة القضاء إلى الأمام، بهدف الانتقال إلى قضاء متخصص للتحكم في الشق الإجرائي والموضوعي بصورة دقيقة، قائلا “وعلى هذا الأساس تقرر استحداث القسم الوطني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود”.
وخاض طويجني في تفاصيل إنشاء الأقطاب الجزائية المتخصصة عموما وقسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود خصوصا، موضحا “كان هناك قطب متخصص في مكافحة الإرهاب بمجلس قضاء الجزائر، وبعده جاء المرسوم التنفيذي الصادر سنة 2008، حيث وسّع الاختصاص لعدد من المحاكم في بعض أنواع الجرائم، وعليه، فإن القطب الجزائي المتخصص أنشأ فعليا في سنة 2008 شأنه شأن الأقطاب الجزائية الأربعة المتخصصة والموزعة على الجزائر العاصمة، وهران، ورقلة وقسنطينة، وبعدها تم استحداث قسم مكافحة الإرهاب لدى نيابة محكمة سيدي أمحمد المختصة في مكافحة جرائم الإرهاب بكل أشكالها وفروعها وكذا مكافحة الجريمة المنظمة، كما أن هذا الأخير يحوز حصريا اختصاصا وطنيا.
وتطرق ممثل الحق العام طويجني إلى الفرق بين القطب الجزائي المتخصص وقسم مكافحة الإٍرهاب، حينما قال إن “القطب الجزائي المتخصص لدى محكمة سيدي أمحمد، لديه اختصاص عبر 12 مجلسا قضائيّا من ولايات الوسط أي من “شلف إلى غاية برج بوعريرج ومن الجزائر العاصمة إلى المسيلة”، ولديه 4 غرف تحقيق، ونفس الشاكلة بالنسبة للأقطاب الجزائية المتخصصة المتواجدة في الشرق والغرب والجنوب، حيث إن هذه الأقطاب مختصة في جرائم مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، الاتجار بالبشر، المتاجرة بالمخدرات، التزوير واستعمال المزور، إلى جانب جرائم الفساد التي أصبحت لاحقا من اختصاص القطب الاقتصادي والمالي، ونحن كـ”نيابة للقطب منح لنا القانون الصلاحيات الكاملة في اختيار القضايا المختصة وهذا تحت إشراف النائب العام ووفقا للإجراءات القانونية”، مثلما يضيف الوكيل طويجني.


وعاد المتحدث لاختصاصات ومهام قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، بالقول إن “هذا القسم أنشئ في سنة 2021 بموجب تعديل قانون الإجراءات الجزائية، ولديه اختصاص وطني في مكافحة الجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب، حيث إن القضايا الإرهابية واضحة المعالم، أما الجرائم المنظمة فهي تتعلق مثلا بقضايا كبرى على غرار المضاربة غير الشرعية التي تضمنها قانون المضاربة غير الشرعية 15 / 21 في مادتيه 12 و13 “.
وفي هذه الأثناء تلتحق بنا رئيسة محكمة سيدي أمحمد القاضي دليلة إصولاح، لتنظم إلى حديثنا، ثم يتابع الوكيل طويجني كلامه “قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، يختص فقط بالتحقيق في قضايا الإرهاب والجريمة المنظمة وله حصرية في مجال الجرائم الإرهابية المرتكبة ضد الجزائر أو الجزائريين سواء داخل أو خارج الوطن، كما يضم 6 قضاة للتحقيق مختصين في هذا المجال”.
رئيسة محكمة سيدي أمحمد تتدخل وتشرح قائلة هناك ما يعرف بـ”مبدأ الشخصية”، هو الذي يجعل الاختصاص يعود إلى القضاء الجزائري، فعندما يكون هناك أشخاص يحوزون على الجنسية الجزائرية ضحية أو فاعل، أو على شاكلة كيانات أو منظمات إرهابية مثل قضايا “الماك ورشاد”، فنحن ملزمون بالتدخل.
وأضافت القاضي إصولاح أن “التحقيقات على مستوانا تنطلق بناء على محاضر الضبطية القضائية المتخصصة، سواء تعلق الأمر بالأمن الوطني أو الدرك الوطني أو المخابرات، أو عن طريق التخلي من طرف نيابة الجمهورية المختصة إقليميا، إلا في قسم مكافحة الإرهاب فإن وكيل الجمهورية يمكنه أن يستلم المحاضر القضائية مباشرة من الضبطية القضائية، باعتبار أن هذا القسم ذو اختصاص وطني”.

تيقنتورين وتبحرين ومقتل بن سماعيل.. الجريمة لا تسقط ولا تتقادم
ليس سهلا أن تفتح جراحا كادت أن تصبح ذكرى وتنبش في قبور الذكريات الأليمة وتستخرج منها رفات الماضي الذي يحاول الجزائريون التخلص منه عبر النسيان، وحدها الدموع التي تنهمر من عيون الأهالي التي عانت ويلات الارهاب في كل شبر من هذا الوطن، كافة لتؤكد أن جرح المأساة غائر، ويحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يندمل ويشفى.. لكن قضاة التحقيق بقسم مكافحة الإرهاب لايزالون يعيشون يوميا مع عناصر هذه المنظمات والكيانات الإرهابية والشراذم المتبقية لـ”مصاصي الدماء”، من خلال التحقيق معهم في “غرف مغلقة”، وعلى مرمى حجر من مكاتبهم.. مما يجعلهم عند نهاية كل تحقيق مرهقين نفسيا وجسديا… كيف لا وهم يستذكرون تفاصيل تلك الجرائم ووقائعها جملة وتفصيلا.
هذا المشهد وقفت عليه “الشروق” خلال إنجاز عملها، وعبر الدردشة مع بعض القضاة الذين لم يخوضوا في تفاصيل يومياتهم وثقل مسؤوليتهم، ملتزمين واجب تحفظهم، إلا أن علامات التعب والإرهاق كانت بادية على وجهوهم.
قد يظن البعض أن جرائم اغتيال الرهبان الفرنسيين السبعة في “دير تيبحرين” بولاية المدية التي مضى عليها قرابة 28 سنة وكذا الاعتداء الإرهابي على المنشأة الغازية بتيقنتورين بولاية اليزي الذي جرى قبل أزيد من 10 سنوات قد صارت نسيا منسيا.
لكن هذه القضايا لا تزال عند هؤلاء الرجال بقسم مكافحة الإرهاب قيد التمحيص والتحري، بل أثقلت كاهلهم بسبب الجهود التي يبذلونها من أجل جمع الأدلة والقرائن التي من شأنها أن تفك طلاسم الجرائم وألغازها، بعد ما أثارت جدلا كبيرا على المستوى المحلي والدولي.
يضاف إلى ذلك التحقيق الساري المفعول في ملف الإرهابي المدعو “أبو الدحداح” وهو أحد أبرز الإرهابيين من حاملي “أسرار مهمة” حول العنف المسلح بالجزائر خلال “العشرية السوداء” في التسعينيات، حيث تنقل بين جماعات مسلحة عديدة، أبرزها ما كان يسمى “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” التابعة لـ”تنظيم القاعدة” و”جند الخلافة” ضمن شبكة “داعش”.
وعلى غرار القضايا المفتوحة، فإن قسم مكافحة الإرهاب حقق في ملفات لا تقل إجراما عن سابقاتها، وقد فصل فيها القضاء الجزائري، على شاكلة مقتل السائح متسلق الجبال الفرنسي إيرفيه غورديل الذي تم اغتياله في عام 2014 من طرف عناصر “جند الخلافة”، والذي أعلن مبايعته لتنظيم “الدولة الإسلامية”، إذ تمّت إدانة الإرهابيين بالإعدام.
ونفس الشيء بالنسبة لقضية مقتل الشاب جمال بن إسماعيل بعد حرق جثته والتنكيل بها، وهي القضية التي أثارت صدمة كبيرة في صائفة 2021، وحقق فيها قاضي قسم مكافحة الإرهاب وأخذت منه جهدا كبيرا لإظهار الحقيقة وكشف ملابسات الجريمة، ليتوصل في الأخير أن التنظيمين الإرهابيين “الماك” و”رشاد” هما من كانا وراء ارتكابها، بهدف زعزعة أمن الجزائر واستقرارها ووحدتها الترابية، ضمن مخطط إرهابي مدعوم من قوى أجنبية وكيانات معادية لا تخفي عداءها لبلادنا، ولا تزال تنفث أحقادها بمؤامرات جهنمية إلى حد الساعة، والقضايا المطروحة على مستوى قسم مكافحة الإرهاب خير دليل على ذلك.
ومع كل هذا، فإن الجزائر وضعت نصب أعينها مختلف الجرائم التي باتت تصنف على أنها أفعال إرهابية، بما فيها شراء ذمم الأفراد بغرض زرع الفتنة الطائفية وتمويل الجماعات المتطرفة العنصرية التي لديها القابلية لحمل السلاح في أي وقت، لأن “الإرهاب والخيانة وجهان لعملة واحدة “، من خلال كبحهم وتفكيك خيوطهم وإفشال مخططاتهم والويل لكل من يحاول عبثا ضرب أركان الدولة ومؤسساتها..

قبعة احترام لكم أيها القضاة
غادرنا قسم مكافحة الإرهاب، إلا أن الدخول إليه ليس كالخروج منه… عالم مثير اكتشفناه ونحن ندخل لأول مرة “جهة التحقيق” ونقف أمام نيابة الجمهورية وقضاة التحقيق وقاضي الحكم .. عمل شاق ومتعب فعلا منذ استلام محاضر الضبطية القضائية إلى فتح تحقيق ابتدائي، مرورا بمراحل التحقيق، وصولا إلى المحاكمة وإصدار الحكم باسم الشعب الجزائري..
وبالرغم من ثقل مسؤولية القاضي، أينما كان وحيثما وجد سواء في قسم مكافحة الإرهاب أو على مستوى جميع الأقطاب والمحاكم والمجالس والجهات القضائية والمحكمة العليا، فإنه ملزم أن تكون لديه قدرة تحمّل تمتاز عن باقي البشر، متسلحا بالوازع الأخلاقي، باعتباره مؤتمنًا على تطبيق القانون وتحقيق العدالة، ما يوجب عليه أداء هذه الأمانة رغم صعوبتها، فهي ثقيلة في الدنيا وأثقل منها في الآخرة، كما أن جسامة مهامه وقدسية رسالته تجعلانه يلتزم بقيود وإكراهات تفرضها طبيعة مهنته، من أجل ضمان هيبة القضاء وحفظ كرامة رجاله، اتقاء للزلل، ولأجل توطيد ثقة الناس في قضائهم، عملا بما أوصى به سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قاضيه أبا موسى الأشعري “آسِ بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك”… وهو ما يتفق مع المعايير الدولية الضامنة للمحاكمة العادلة وحقوق الإنسان… وعليه “نقف لكم وقفة تحية وإجلال وننحني لكم احتراما وتقديرا أيها القضاة النزهاء”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!